المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل الرواية واقع أم حقيقة؟



المراسل الإخباري
10-28-2023, 03:16
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png قد يبدو للوهلة الأولى أن هناك خطأ في العنوان، وأن المقصود هو: هل الرواية واقع أم خيال؟ ولكن ما كتب هو المقصود فعلاً، فعندما نقول إن الرواية واقع أو رواية واقعية فهذا لا يعني أنها حقيقة مرتبطة بالتفاصيل وأحوال الشخصيات وأماكنها المرسومة في الزمان والمكان التي حددها الروائي، ولكنها في الوقت ذاته ليست رواية خيالية أو غير واقعية، فالتفاصيل داخل العمل الروائي تفاصيل ذات قيمة واقعية من منظور النقد الاجتماعي أو النقد الثقافي، والعمل الروائي أرض خصبة تُبذر فيها التفاصيل الاجتماعية والقيم الإنسانية وهموم الإنسان وتاريخه وتطلعاته، وتصور طبيعة الحياة ونمط الأفكار السائدة والقيم المعتبرة. مما يعني أن الرواية ليست حقيقة قائمة على أرض الواقع بتفاصيلها ومساراتها وشخصياتها، ولكن درجة الواقعية فيها ومحاكاتها النسبية للواقع تجعلها وكأنها حقيقة قائمة على أرض الواقع فعلاً، والحديث هنا عن الرواية الواقعية وينطبق كذلك على الرواية التاريخية.
ولذلك فإن تحليل العمل الروائي وفق رؤية علم اجتماع الأدب ومن واقع قدرته على التعامل مع العمل الإبداعي بوعي الباحث الاجتماعي والناقد الثقافي الذي يقرأ العمل بعمق ويحسن التعامل مع المعاني المباشرة والإسقاطات والتلميحات بناء على فهم واسع للنظريات الاجتماعية التي تعيد المكتوب إلى مصادره وبواعثه لدى الكاتب والواقع الاجتماعي والحالة الثقافية، وتربطه بزمن الكتابة ومكانها وطبيعة التناول الذي اختاره، وتوجد الروابط الفكرية بين الحكايات المطروحة ومفردات الكاتب التي يمكن من خلالها دراسة المجتمع، وتحليل الأفكار وبالتالي تبويبها وفق رؤى علمية ومنهجية تُمكن الناقد للعمل الروائي من وضع تصور عام وخاص عن التفاصيل التي يريد دراستها من خلال أي عمل روائي يتم فرزه من قبل الناقد على أنه مناسب للقراءة النقدية ذات الطابع الثقافي والاجتماعي.
ومن الآراء التي استوقفتني ما كتبه الناقد المعروف الأستاذ الدكتور حسن النعمي، حول ما قال إنه من أكثر الأسئلة التي تصله، والمتمثل في السؤال التالي: ما علاقة الرواية بالواقع؟
وتمثلت إجابته في نقاط ست؛ جاءت مؤكدة: إن العلاقة بين الواقع والرواية علاقة مجازية لا تقوم على المطابقة بينهما، الرواية تؤسس عالماً موازياً للواقع يصور فيه الروائي رؤيته تجاه الناس والكون والحياة، الروائي يتطلع لقراءة عمله بوصفه مجازاً وليس بوصفها منشوراً اجتماعياً، الرواية بناء جمالي تستوطنه الحكاية وليس موضوع يبنيه الكاتب، قراءة الرواية يجب أن تقرأ بوصفها عملاً متخيلاً لتحقيق غايتها الجمالية، ليس للرواية أن تصلح الواقع أو تشوهه وإنما تقدم رؤية كاتبها من خلال بنائها الجمالي (انتهى كلام النعمي بتصرف).
وأنا أتفق مع رأي النعمي اتفاقاً تاماً خصوصاً أنه كان دقيقاً جداً في اختيار المفردات التي توضح رأيه، وهذا الاتفاق لا يعني تأييد الفكرة بقدر ما يعني التعامل مع المرونة التي وضعها النعمي، والمساحة الرحبة التي جعل فهم ما قاله تسمح بالتنوع الممكن في حدودها.
ومن المهم أن نقرأ رأي النعمي في إطار أطروحاته، وكتاباته المختلفة حتى نفهم ما عناه بشكل تام، فهو لم ينفِ وجود علاقة بين الرواية والواقع، وفي الوقت نفسه هو لم يؤكد هذه العلاقة، وهذا –حسب فهمي على الأقل- يشير إلى أن هناك هوامش اجتماعية داخل العمل الروائي تزيد وتنقص من عمل لعمل آخر، وهو الذي بين في أحد أهم كتبه عن الرواية السعودية (الرواية السعودية واقعها وتحولاتها) وهو يشير إلى ولادة الرواية النسائية السعودية أن الروايات النسائية التي صدرت في الستينات حتى مطلع الثمانينات الميلادية ليست نتاجاً للبيئة الاجتماعية والثقافية للمجتمع السعودي مما يعني أنها روايات سعودية الهوية على اعتبار كاتباتها، ولكنها لا تمثل هوية التكوين الثقافي والاجتماعي للفرد، وقد طرح عدة أسماء ينطبق عليها هذا الحكم، مثل: فوزية أبو خالد وشريفة الشملان وسميرة خاشقجي وغيرهن، حيث اعتبر أعمالهن ضمن الروايات السعودية بحكم انتمائهن الوطني لا الثقافي، وهو هنا لا يقلل من أهمية هذه الأسماء وقيمة نتاجهن من الناحية الفنية والذوقية، وإنما هو يحدد جزئية معينة ترتبط بالمحتوى الثقافي ومدى تمثيله للثقافة السعودية في إصدارات محددة وليس في كل الأعمال.
وهذا ما يفهم منه أن التكوين الثقافي والاجتماعي يعمل على تشكيل العمل الروائي ويؤثر فيه، ويضع بصمته داخل حكاياته، والأفكار المتناولة وطبيعة الحياة الاجتماعية، وشكل الثقافة السائدة والتنوع المعرفي، ويعطي دلالات ومؤشرات على قيم المجتمع وطبيعته وخطوطه العريضة وتفاصيله الحياتية.
ونحن هنا نحاول أن نجد خط تماس بين الواقع والخيال، والذي يمكن من خلاله دراسة المجتمع من خلال العمل الروائي، وهذا الخط رغم صعوبة تحديده إلا أنه يمكن التقاطه بالقراءة الواعية للعمل الروائي، وأن يفهم جيداً أن العمل الروائي يستوعب الثقافة والقيم وأنواع الفكر دون أن يشير إلى تبني الكاتب لهذه الأفكار بالضرورة، وأن ما يقوم به الكاتب هو التقاط التفاصيل الاجتماعية والثقافية وصياغتها بأسلوبه وطريقته في عمل سردي طويل يتم بناؤه وفق مخطط يحضر في ذهن الكاتب مسبقاً، ويتغير ويتبدل وفق ما تصير إليه الحكايات التي قد لا تكون معدة مسبقاً في خيال الروائي، وإنما تأتي بالتتابع بفعل التفاعل النفسي وسعة الخيال والقدرة على صنع التفاصيل والمسارات الحكائية مع احتمالية نجاح الكاتب أو عدم نجاحه النسبي في هذا الجانب، وهذا يجعلنا نؤكد على النتائج التي جاءت معززة لفكرة أن الرواية تعتبر وثيقة اجتماعية –ينطبق هذا على بعض الروايات وليس جميعها- فالدراسات التي تناولت الرواية من جانبها الذي يمكن معه تحليل الأفكار وتحديد القيم والتحولات الثقافية وطبيعتها ومدى تأثيرها على مسيرة المجتمع، وقوة تأثيرها على الحياة الاجتماعية والثقافية تبنت هذا الرأي وأكدت عليه، وهي على حد علمي دراستان تمثلتا في أطروحتي دكتوراة في جامعة الملك عبدالعزيز وجامعة القصيم، وهاتان الدراستان تناولتا الرواية من جانبها الاجتماعي مدعمة بالنظريات الاجتماعية، وليس الحديث هنا عن الدراسات التي جاءت في أقسام اللغة العربية المختلفة، وتناولت دراسة الرواية بصفتها جنساً أدبياً، وإنما بصفتها وثيقة اجتماعية يمكن من خلالها فهم المجتمع وطبيعة الحياة الاجتماعية، والتحولات الثقافية، وتغير بعض القيم وثبات بعضها، والتوجهات الفكرية في أفقها الاجتماعي والثقافي وليس في مداها الشخصي الضيق المرتبط بالأفراد بعيداً عن الملمح الاجتماعي العام.




http://www.alriyadh.com/2040346]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]