المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وسواس الإنس



المراسل الإخباري
11-02-2023, 05:25
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
وسواس الإنس كوسواس الجِنَّةِ في أنه يُصيبُ من المستقيم غِرَّةً فينتهزها في إزلاقه بواسطة همَزاتِه بتزيين القبيح، وتقبيح الحسن في عينه، لكنَّ الموفق لا يستمرُّ في التأثر بذلك، بل ينوب ويتوب ويرجع عن زلته، لكن المعضلة أن يُحسن الإنسان الظنَّ بما يُلقيه الموسوس، ويظنه ناصحاً أميناً فيتبنى المواقف الناتجة عما زَيَّنَ له من زخرف القول..
يستقبل صدر الإنسان الكثير من الأحاسيس والمشاعر المتباينة، ويتفاوت الناس في سهولة وصعوبة التأثر ودوامه بعد حصوله، والتمتع بنعمة سعة الصدر، والتعرض لبلوى ضِيقِه، والتمييز فيما يستقبلونه بين النافع والضارِّ، لكنهم مشتركون في إمكانية التفاعل مع ما يُلقى من أفكارٍ ومؤثراتٍ ولو كانت سلبية إن لم يدفعها من أُلقيت إليه بما يُناسبها من التحصينات، فلا يستغني الإنسان عن اتخاذِ أسبابٍ تُؤمِّنُ له الحاجز الحصين بينه وبين مصادر الخواطر والأفكار السلبية، وتُمكِّنُهُ من التخلص مما قد يتسرب منها إلى صدره، ويُميِّزُ بها بين الرُّؤى التي تُنيرُ سبيل متلقِّيها؛ لاشتمالها على النصح، وبين الدسائس التي تُهلك من أصغى إليها؛ لكونها تتضمن إساءةَ تصويرٍ للحقائق سواء تعلقت بالأمور الدينية أم الدنيوية، أم تضمَّنت تشويشاً على العلاقات، أو إيغاراً للصدر في القضايا العامة الكبيرة، أو غير ذلك من التأثير السيئ على المرء في المجالات المهمة، وبقدر أهمية المنفعة يقوى حرص وسواس الإنسان على أن يُوسوس في صدر من يُغرِّرُ به ليتهاون بشأنها، ولي مع وسواس الإنس وقفات:
الأولى: وسواس الإنس بالغ الخطورة؛ ولهذا علَّم الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام أن يستعيذ من شرِّه، فيلزم كلاً منا أن يهتمَّ بالاحتراس من شرِّ الوسواس بشتى الوسائل، وأنفعُها ذكر الله تعالى، لا سيما أذكار الصباح والمساء، والأدعية العامة خصوصاً الدعاء بالعافية؛ لأنها اسمٌ شاملٌ يندرج تحته الخلاص من شرِّ الوسواس الذي هو جالبٌ رئيسٌ للبلاء، ومنها لزوم الجماعة فالموسوس إن أمكنه التلاعب بمن استفرد به من الآحاد فَصَعْبٌ عليه أن يُغوي جماعة المسلمين المعتصمة بالكتاب والسنة، والتي هي مع إمام المسلمين، وقد جاء مصداق ذلك في حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالجَابِيَةِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا ثم ساق الحديث وفيه: "وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمُ الجَمَاعَةَ" أخرجه الترمذي، ومن الوسائل الإجرائية التي ينبغي أن لا يُغفلها الإنسان في مواجهة وسوسة المحرضين: أخذ التجارب بعين الاعتبار، فالوسواس الإنساني إذا ضرب ضربته وغرر بمن وسوس له في قضيةٍ عاوده المرة تلو الأخرى ليورطه في متاعب جديدةٍ، فينبغي أن لا يسمح له المضرور بتكرار ضربته، وأن ينتبه له فلا يُلقي بالاً لما يقوله، وكما يكون هذا عن تجربةٍ شخصيةٍ يمكن أن ينشأ عن اعتبارٍ واتعاظٍ بموقفه مع الآخرين، فمن رأيناه يُوقعُ الناس في المهاوي بتحريضه تجنبناه قبل أن يصلنا شره.
الثانية: من شأن الإنسان أن يغترَّ في وقتٍ من الأوقات بوسوسة غاشٍّ متربص به، وليس ذلك بحدِّ ذاته مُعضلةً إذا اكتشف أنه تعرض للغشّ، فرمى بأقوال وأفكار الغاشِّ وراء ظهره، وأصلح ما انخرق من أموره جراء هذه الوسوسة، فوسواس الإنس كوسواس الجِنَّةِ في أنه يُصيبُ من المستقيم غِرَّةً فينتهزها في إزلاقه بواسطة همَزاتِه بتزيين القبيح، وتقبيح الحسن في عينه، لكنَّ الموفق لا يستمرُّ في التأثر بذلك، بل ينوب ويتوب ويرجع عن زلته، لكن المعضلة أن يُحسن الإنسان الظنَّ بما يُلقيه الموسوس، ويظنه ناصحاً أميناً فيتبنى المواقف الناتجة عما زَيَّنَ له من زخرف القول، وبهذا يحصل المحرِّض والمغرِّر على ما أراده بأتمِّ الوجوه، فقد ورّط المغرَّرَ به، وحرفه عن جادَّة الصواب، واكتسب ثقته به وتبعيته له، وأمكنه أن يُوجهه بعد ذلك حيث أراد بلا كلفةٍ.
الثالثة: الوسواس مُخادعٌ عارفٌ بسوء ما عنده، لكنه يتكلم بلهجة المصلح الأمين، الحريص على مصلحة من يستدرجه فيتماشى معه المستدرجُ وهو يتخيل أنه يبحث عن مصلحته، ويدور معها حيث دارت، فلا ينبغي للإنسان أن يغترَّ بما يُروِّجُ به الموسوس بضاعته من حسن الكلام في الظاهر، وتودده للسامع وإظهاره التعاطف والمثالية، فالتظاهر بهذه الأمور ليس من معايير النصح، وليس من شأن الغاشِّ الإفصاح عن الشرِّ الذي يحمله، وإيضاحُ أنه سيئ وخطير، فلا يقول لأحد الزوجين الذي يُوسوسُ له ليفكك أسرته: أنا أريد أن أُخرِّب بيتك، وأقضي على سعادتك، وأشتت شمل أسرتك، بل يُوهمه أنه يستحق أفضل مما حصَّل، وأنه ضحيةُ قرارٍ متسرعٍ، وأنه مهضومٌ بهذا الزواج، ولن يقول للمواطن إن أراد إيغار صدره على وطنه: أنا أريد أن تفقد حاضنتك الوطنية، وأن يُستباح حماك، وتفقد مقومات الحياة الكريمة، وتتشرد ولا تأمن على شيءٍ من ضرورياتك، ولو خاطب المغرَّرَ به هكذا لابتعد عنه مباشرة، لكنه يُزخرفُ له القول، فيوهمه أنه يسعى معه في تحقيق المصالح، والواقع أنه يُلقيه في التهلكة.




http://www.alriyadh.com/2041195]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]