المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أدب الصحافة الجديد



المراسل الإخباري
11-04-2023, 03:30
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png لعبت الصحافة دوراً مهمّاً في تطوير حياتنا الثقافية والتأثير فيها، وتدخّلت بشكل أو بآخر في تحديد مفاهيمنا الثقافية، ورسم مستقبل أي تطوّر في فنّ الكلمة المكتوبة؛ ونعني الأدب.
فالقارئ يجد في إمكانيات الجريدة اليومية ما يُشبع كل حاجاته، ويُلبّي له كلّ ما يُريد من فائدة تُحقّقها الكلمة المطبوعة. ولذا، فإن الصحافة الجادّة تبني شعباً جادّاً، وأُمّة بنّاءة، ومجتمعاً متماسكاً في أفراده وفي مجموعه معاً.
والصحافة كانت من أهمّ العوامل التي أثّرت في اهتماماتنا الفكرية، ووصلت بالأدب عندنا إلى هذه المكانة الرفيعة.
ولا غرابة في ذلك، فقد خرجت الصحافة العربية من عباءة الأدب، تستمدّ منه وجودها وبقاءها، وكان كُتّاب الأدب والنقد هم الأعمدة الأساسية في بناء أي صحيفة، وكان قارئ الأدب والنقد هو المستهلك الأول للصحيفة، وكانت الصحف تصطرع في احتكار أكبر عدد ممكن من أصحاب الأسماء اللامعة في دنيا الأدب؛ تُفرد لهم أهمّ صفحاتها، وتخضع هذه الصفحات لاحتياجاتهم التي توضع في عين الاعتبار.
وعبر هذا الطريق من التجاوب بين الصحافة والأدب، تسلّلت الصحف إلى مجتمعنا، فكانت تتفاعل مع ثقافته وذوقه باستمرار، فتُقدّم له الغذاء الثقافي المُعتنى به، والاسم الرنّان الذي يضمن القارئ عنده الفكر الناضج والرأي الحُرّ.
ومن هذا الطريق استفاد الأدب كثيراً، فمعروف أن الكثير من الكُتّاب العرب الأعلام يُدينون بشُهرتهم الواسعة للصحافة قبل الكِتاب، بل إن مُعظم إنتاجهم كان تجميعاً لأعمال سبق نشرها في الجرائد اليومية.
وحين يكون من إنتاج الصحافة كُتب ككتاب «حديث الأربعاء» لطه حسين، أو «حصاد الهشيم» لإبراهيم المازني، أو «من وحي الرسالة» لأحمد حسن الزيات، أو «الله والإنسان» لمصطفى محمود، وغيرهم، فقد أفاد هذا الأدباء إلى حدّ كبير في مرحلة من المراحل، حين نلحظ أن شهرتهم عمّت العالم العربي بسرعة.
بل لعلّنا نستطيع أن نُسند السرّ في كثرة إنتاج الأدباء الأُول إلى حاجة الصحافة إلى المزيد من المواد والكثير من الإنتاج، ممّا شجّع الكُتّاب على مُداومة الإنتاج بغزارة وكثرة.
فجذَب الأدباء إلى كتاباتهم قُرّاء الصحافة جذباً، بحيث كان القارئ يتتبّع ما يُثيرون من قضايا، وما يدخلون فيه من معارك، وما يشجر بينهم من اختلاف في الرأي.
وبهذا كان الكاتب هو المثل الأعلى للشباب من الأدباء الناشئين، يرون في ذيوع اسمه وشُهرته المجد كلّ المجد، والمطمح الذي يفوق كلّ مطمح. ومن الطبيعي أن يفرض هذا عليهم الاتّجاهات الجادّة، ويُحدّد لهم الطريق المليء بالاطّلاع والعمل الشّاق والثقافة الواسعة، إن أرادوا تحقيق مثلهم الأعلى.
ولكن الحال تغيّر فيما بعد، فلم يعُد قُرّاء الصحف من النخبة فقط، بل أصبح غالبيّتهم من العامّة الذين لهم اهتمامات سطحية بكلّ شيء، واهتمامات جذرية عميقة بلا شيء، فكان من الطبيعي أن تحاول الجريدة إرضائهم والاحتفاظ بعددهم الضخم.
فلم تعُد الصحافة في نظر القائمين عليها وسيلة ثقافة فقط، بل أثّر تغيّر طبيعة المجتمع واهتمامات غالبية أفراده، وسُرعة الحياة العصرية كذلك، في ترتيب أولويّات الصحافة.
فالدراسة المتخصّصة العميقة لم يعُد لها مكان، والمقال الجادّ الطويل لا يجد القبول، لأن غالبية جموع القُرّاء ليست متخصّصة في فرع من فروع المعرفة، ولذا فقد ساد المقال القصير والريبورتاج المصوّر، واختفت تقريباً فنون معيّنة من الكتابة والأدب، كالبحث والدراسة والمقال الطويل وقصائد الشِعر.
أضف إلى ذلك أن الصحافة دخلها فيما بعد جيل جديد، لا عن طريق الأدب كالجيل الذي سبقه.
فبين مفاهيم الجيل القديم المؤمن بأهميّة الأدب ودوره، اختلاف عن مفاهيم الجيل الجديد من الصحفيين الذين يؤمنون كذلك بأهمية التسويق والتوزيع.
ومعنى هذا أن قضيّة الأدب لكي يصل إلى القُرّاء، لا بدّ له أن يتلاءم مع المفهوم الجديد للصحافة، وقد حاول أهله وكرّروا المحاولة، ونجحوا آخر الأمر في خلق أدب جديد، يمكن أن نُسمّيه بأدب الصحافة.




http://www.alriyadh.com/2041551]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]