تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : استدعاء التاريخ وأرقمته



المراسل الإخباري
11-12-2023, 03:21
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
الحقيقة أنه قد تمت أرقمة التاريخ بحياة تكاملية، وأصبح العالم كله يتحدث بلغة أخرى هي لغة الأرقام، وليس هناك ما يمنع من أرقمة التاريخ مع الاحتفاظ برمزيته، وما كان من شعائر الله فلا يستطيع البشر أصلاً إدخال التعديلات الرقمية عليه..
الحديث عن التاريخ لا شك أنه جزء وركن مهم في بناء المستقبل، وليس على طريقة الجاهلية من التفاخر بالأنساب، وكان قومي وكان أجدادي! فإن ذلك مما نهى عنه الإسلام، بل هو شيء ممجوج عند العقلاء، وفي الحديث: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية، لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة"، فالتفاخر لا يبني وطنًا، ولا يقوي شعبًا، وإن كان تاريخنا حقّاً تاريخاً يفخر به، ولكن ليس على طريق الجاهلية الذي هو تفاخر دون ارتباط تطبيقي بإيجابياته ومميزاته.
حياة السابقين لا شك ولا ريب أنها تختلف عن حياتنا الحديثة جملةً وتفصيلاً، وليس المقام مقام أيهما أفضل، لأن ذلك مما لا يستوعبه مقال، فالتفاضل والخيرية منها النسبي ومنها الشخصي ومنها ما هو من حيث العموم، ولكن حين نأتي إلى وسائل الحياة وترقي المجتمعات في ذلك فسنجد في حياتنا المعاصرة أن الله قد أغدق علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً، وتيسرت الحياة من حيث وسائلها بما لا يقارن بالماضي القريب فضلاً عن البعيد، وسنجد أن الله صور بعض ذلك في التنزيل العزيز ليكون مصدرًا للتاريخ، ومثالاً للحياة، "إذ هما في الغار" وكانت رحلة شاقة في طريق النبي صلى الله عليــه وآله وسلم في هجرته إلى المدينة، وكان بصحبته أبو بكر رضي الله عـنـه، وسارا بين مكة والمدينة أيامًا بلياليها، وفيها من الصعوبات ما حكي لنا بعضه، فسطرت تلك الرحلة كتاريخ يقتدى به في السفر نصرة للحق وهجرًا للباطل وبحثًا عن وطن يستقر فيه، ويمكنه فيه من إقامة شعائر الله، وإظهار دينه. وكان له صلى الله عليـه وآله وسلم ما أراده، فهذا الوطن في حفظ الله ورعايته منذ ذلك الوقت، بلد الإسلام، ومأرز الإيمان، وهو في نمو وازدهار، وينعم بالأمن والأمان.
كانت رحلة الهجرة أيامًا شاقة، نقطعها اليوم بسويعة إن لم تكن بدقائق، والأمر لا يتوقف عند الهجرة النبوية، فقد شرعت زيارة البيت وأصبحت ركنًا من أركان الدين وشرعت زيارة المسجد النبوي، لكننا لم نرث تلك المشقة واللأواء التي كانت حجر عثرة في طريق كثير من الناس آنذاك، وعلى ذلك قس.
كانت المسافات بين المشاعر المقدسة تعد من مشقات الحج، فأصبحت كالنزهة يستمتع بها زوار بيت الله الحرام، وربما حج المسلم واعتمر ولم يدر به أقرب الناس إليه.. حتى في الحروب لم يعد للخيل والسيف والرمح والليل ذكر على ألسنة الناس إلا أنها رمزية تاريخية تستصحبها الأجيال وتتوارثها.
والحقيقة أنه قد تمت أرقمة التاريخ بحياة تكاملية، وأصبح العالم كله يتحدث بلغة أخرى هي لغة الأرقام، وليس هناك ما يمنع من أرقمة التاريخ مع الاحتفاظ برمزيته، وما كان من شعائر الله فلا يستطيع البشر أصلاً إدخال التعديلات الرقمية عليه، فأنت حين تصلي ستتوجه بشخصك إلى الكعبة، لم يجعل الله لأرقمة اتجاه القبلة سبيلاً، فهو ليس بمقدور البشر وليس مسموحًا به، ونطوف حول الكعبة في حجنا وعمرتنا، فليس هناك طواف افتراضي تفعله وأنت في بيتك، ليس لذلك سبيل لا عقلاً ولا شرعًا، ومن هنا تعرف الفرق بين من يريد النهوض بالحياة وأرقمة التاريخ بالممكن، وبين من يجعل الافتخار بالتاريخ والانتساب إليه مختزلًا في الحفاظ على الشكليات والعادات والتقاليد التي جعلها الله مرسلة وقابلة للأرقمة.. هذا، والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/2042940]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]