المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في دائرة الظل



المراسل الإخباري
11-16-2023, 03:42
http://www.alriyadh.com/media/thumb/21/f9/800_d3865cc1e9.jpg عندما تبهرنا الأيام بأحداثها ومجرياتها، ونتدبر بعض تفاصيل حياتنا المعاصرة، نرى أن هناك أمورًا أصبحت واقعًا معاشًا لم تطرأ على مخيلة أحدٍ منَّا، تبرهن على أن الأيام حُبْلى بما لا يستطيع الإنسان تخيله، وكم نحن عاجزون عن فهم فلسفة الحياة وثقافة الواقع، ونمَطِيٌّون في رغباتنا وطموحاتنا..
تنقلنا أحلامنا مخدَّرين بآمالنا وتخطيطنا، إلى عَالَمٍ من الوهم والخيال اللامع الذي ربما لا ندركه، نحملُ ذاكرةً خدَّاعةً تختلق ما لا أصل له، في دنيا تتغيرُ بسرعةِ الصوت، وبقوةٍ غاشمةٍ لا ترحم.. وفي حياةِ كلِّ واحدٍ منا مشاهد ومواقف عصِيّة على النسيان، قاهرة لعواصف الشيخوخة، وذلك لأنها لم تكن عابرة، ومكثت مع صاحبها حينًا لم يكن بالهيِّن، فأخرجت صاحبها من دائرة الظلِّ وهدوئِه، إلى مستطيل الضوء وبهرجتِه.
وواردٌ أن يكون العكسُ، وهو صحيحٌ أيضًا، أن يحدث ما يطفئ وهج الإنسان، ويسكنه بعيدًا عن الأضواء والشهرة والمجد، وهذا في الغالب لم يكن بإرادة الشخص نفسه، بل ربما كان صدفةً وهو في طريق البحث عن الذات، أو من أجل تحقيق الاستقرار المطلوب الذي يلهث من أجله، وربما وقعت تلك المواقف والمشاهد في سبيل وصول الإنسان إلى هدفه الأساسي الذي ينشده، والذي تنتظم عليه حياته المأمولة (من وجهة نظره).
وعندما تمضي الأعوام الأربعون الأولى من حياة المرء، ويزور الشيب بعض الأماكن في جسد الإنسان، تصبح مرآتُه ذاتَ لسانٍ سليط، وصديقةً جارحةً لا تجامل، وترتعد فرائضه من هول التجاعيد وزحفها على المناطق الآهلة بالشباب والحيوية، وتتوتر العلاقة بين طموحاته، وبين الأيام التي تنصرم من ديوان عمره دونَ إرادة منه، مظهرةً عجزَه عن الحفاظِ على أعزّ ما يملك.
يقول أحد الحكماء، إن أحكم الناس في هذه الدنيا رجل لا يحزن على شيء، يتساوى عنده النقص مع الزيادة، وبرد الشتاء مع حر الصيف، وحياة الإنسان مع انتقاله.. وهذا كان حال الرجل الفقير الذي كان يعيش مع أمه وزوجته وأولاده ويحرص على رعايتهم، ويعمل خادمًا لدى أحد الميسورين مخلصًا له، ويؤدي عمله على أكمل وجه، إلا أنه ذات يوم تغيَّب عن العمل، فقال سيده في نفسه» لا بد أن أعطيه دينارًا زيادة حتى لا يتغيَّب عن العمل؛ فبالتأكيد لم يغبْ إلا طمعًا في زيادة راتبه، لأنه يعلم بحاجتى إليه»، وعند حضوره في اليوم الثاني أعطاه راتبه وزاد عليه الدينار، لكن العامل لم يتكلم ولم يسأل سيده عن سبب الزيادة، وبعد أيامٍ عدة غاب العامل مرة أخرى؛ فغضب سيده غضبًا شديدًا، فقال «سأنقص الدينار الذي زدته له»، وبالفعل أنقصه؛ فلم يتكلم العامل ولم يسأله أيضًا عن نقصان راتبه؛ فاستغرب الرجل مِنْ ردة فعل الخادم، وسأله: زدتك فلم تسأل وأنقصتك فلم تتكلم»؛ فقال العامل: «عندما غبت المرة الأولى رزقني الله مولودًا، فحين كافأتني بالزيادة قلتُ هذا رزق مولودي قد جاء معه، وحينما غبت المرة الثانية ماتت أمي، فعندما أنقصت الدينار قلتُ هذا رزقها قد ذهب بذهابها»، فتعجب الرجل من رضاه وقناعته.
وخلاصة القول إن ما كُتِبَ للإنسان وقدِّر له لا بد من إدراكه، فما عليه إلا السعي والإخلاص في العمل، وعلى الله الثمرة والنتيجة، وأن يجمح بخياله في ما له القدرة على تحقيقه، وهذا لا ينافي الطموح من أي وجه، وقد لخص هذا المعنى شاعر السيف والقلم محمود سامي البارودي بقوله:
عليَّ السعيُّ في طلب المعالي
وليس عَلَيَّ إدراكُ المرام..




http://www.alriyadh.com/2043718]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]