تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : منظومة القيم السعودية



المراسل الإخباري
11-19-2023, 03:11
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
لائحة الذوق العام تحاول المحافظة على قيم المجتمع السعودي وهويته، وعلى تعزيز السلوكيات والآداب والمعايير التي تعبر عنها، ولا يفترض فيها الصرامة الجافة في بداياتها، لحداثة التجربة السعودية نسبياً في مجال السياحة المفتوحة، وفي التوجه المدروس نحو المشاريع والاستثمارات الأجنبية الضخمة في الداخل السعودي..
نشرت صحيفة الوطن السعودية في التاسع من نوفمبر الجاري، عن إجمالي قضايا الذوق أو الآداب العامة في المملكة، وذلك خلال الفترة ما بين عامي 2021 و2022، وأشارت إلى أنها وصلت لنحو 28 ألفاً و200 قضية، وقد وجه الاتهام فيها لأكثر من 137 ألفاً و200 شخص، وقد زادت القضايا في عام 2022 بمقدار 3600 قضية مقارنة بعام 2021، وبمعدل 118 قضية ذوق أو آداب عامة في اليوم الواحد، وهذا الارتفاع يشير إلى أن لائحة الذوق العام المحلية، والتي صدرت في أبريل 2019، يلزمها مراجعة جديدة بعد التعديلات والإضافات عليها في العام الماضي، فلا يعقل أن الحد الأعلى لغرامتها يقف عند 1300 دولار، وليس فيها سجن تأديبي للمخالفين.
الأعجب أن المخالف من حقه الرفع لديـــوان المظالم والاعتراض على المخالفة، وإن كانت قيمتها 14 دولاراً، أو الحد الأدنى للغرامات، واستغرب عدم وجود عقوبات مقيدة للحرية كالسجن، مع أن النظام الذي تمت صياغته بالمشاركة ما بين وزارتي الداخلية والسياحة، يحتوي على مخالفات في الأماكن العامة من نوع التصرفات الخادشة للحياء ذات الصبغة الجنسية، بحسب تسميتها الرسمية، ورغم فداحة الفعل فالعقوبة لا تتجاوز حد التغريم المالــــي، المغلظ في حـــالة التكرار بمضاعفة قيمة المخالفة، وبطبيعة الحال، من حق المخالف الاعتراض عليها، بمعنى أنه لو حكم لصالحه، ستلزم الجهة المصدرة للمخالفة بتعويضه.
لعل ما يستحق الإبراز في الواقع، هو مبادرات القطاع الثالث في هذا المجال، وتحديداً الجمعية السعودية للذوق العام، وذلك بالتعاون والتنسيق مع وزارات الرياضة والصحة والموارد البشرية، إلى جانب معهد الإدارة العامة وهيئة النقل والجوازات وغيرها، فقد وضعت برنامجها الأول، بالتزامن مع مشاركة المملكة في كـــأس العالم الأخيـــرة بدولة قطر، وحرصت على وجود الجماهير السعودية في هذه الاحتفالية الرياضية بالشكل المناسب، وبما يليق بهوية وأخلاق المجتمع السعودي، وأسست لبرنامج سفير الذوق في الأجهزة الحكومية، لتدريب وتأهيل العاملين في الخطوط الأمامية لديها، كالاستقبال وخدمة العملاء ومأموري السنترال، على ذوقيات التعامل مع المستفيدين من خدماتها، وتحسين تجربة المريض في 120 مركزاً ومستشفى حكومياً، وفق قواعد كلامية وسلوكية محددة، ووجهت كذلك برنامج ذوقي لذوي الإعاقة.
بالإضافة إلى إقامتهـــا لمنصة (كلنا ذوق) للاحتفاء بالسلوكيات الإيجابية الموثقة وتعديل الممارسات السلبية، وبمنهج التطوير لا المحاسبة، ومعها (كود الذوق) الذي يحتوي على لوائح للانضباط والسلوك وأخلاقيات المهنة والتعامل في بيئة العمل، ويعتبر الأول من نوعه على مستوى العالم، وسيصبح إلزامياً في فترة لاحقة، والثابت أن العمل التطوعي الذي يقوم به الشخص بدون مقابل، واستناداً إلى التزام ذاتي وأخلاقي، يشكل مورداً اقتصادياً مهماً، ويشارك فيه ما لا يقل عن مليار شخص، وعوائده على الاقتصاد الدولي، تصل لقرابة التريليون ونصف التريليون دولار، أو ما يمثل 2,5 % من الناتج العالمي الإجمالي.
من الأمثلة على أهمية الذوق والآداب العامة، أن غياب خلق بسيط كالتسامح واحترام الآخر، قاد إلى مشكلتي التطرف والإرهاب، وما صاحبهما من أضرار اقتصادية واجتماعية، وتهديدات للاستقرار وعوامل التنمية، والدليل خسارة الاقتصاد الدولي، ما بين عامي 2000 و2018، لاكثر من 855 مليار دولار بفعـــــل الإرهاب وحده، مثلما تقول الدراسات المتخصصة، وتعتقـــــد أستاذة الاقتصاد المجرية كلارا كتوانا، بأن غياب الأخلاق والرغبة في تعظيم المكاسب المادية، بلا قيد أو شرط،، كانا السبب الرئيس وراء الأزمة المالية العالمية في 2008، وتسبب التدهور الأخلاقي، في زوال الامبراطورية الرومانية وسيطرة القبائل الجرمانية عليها، وفي رضوخ إمبراطــــورية المغــول في الهنـــد للاستعمار الإنجليزي والبرتغـــــالي، وفي انهيار إمبراطورية مينغ في الصيـــن، وجمهــورية البندقيـــة في إيطاليا، وفي المقابل، يعود الفضل في النهضة الاقتصــــادية لدول النمور الآسيوية، كاليـــابان وكــوريا الجنــوبية، لما يعـــرف بـ(منظــومة القيم الآسيوية)، والتي تشمــــل الأمــــــانة والاجتهــــاد والإتقان والموازنة بين الاحتياجات الفردية والمجتمعية، والأخلاق نسبية، وتختلف في ممنوعاتها من مجتمع لآخر.
اعلم أن لائحة الذوق العام تحاول المحافظة على قيم المجتمع السعودي وهويته، وعلى تعزيز السلوكيات والآداب والمعايير التي تعبر عنها، ولا يفترض فيها الصرامة الجافة في بداياتها، لحداثة التجربة السعودية نسبياً في مجال السياحة المفتوحة، وفي التوجه المدروس نحو المشاريع والاستثمارات الأجنبية الضخمة في الداخل السعودي، وما قد يصاحب ذلك من تصرفات غير مرغوبة من غير السعوديين، وبالأخص الجدد، تحتاج معها إلى تعامل دبلوماسي وتدرج في المعالجة، على أن يكون بأسلوب الإقناع والتوعية قبل العقوبات الموجعة، وبطــــــريقة تشبه ما قاله غاندي: أفتح نوافذ بيتـــي مستقبلاً رياح كل الثقافات، وبشرط أن لا تقتلعني من جذوري، ولكن لا يجب على الإطلاق العمل بالسيـــــاسة نفسها مــــع معظم السعوديين من الجنسين، لأنهم يعــرفون تماماً المقبــــول والمرفوض في مجتمعهم، ومخالفاتهم تنطوي على إساءة لدولتهم، ولا يستبعد أن تنقل صورة مشوهة أو مغلوطة عنها.




http://www.alriyadh.com/2044184]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]