المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدكتوراة في العمارة: متخصصون أم مفكرون؟



المراسل الإخباري
11-25-2023, 03:13
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
التحدي الأكبر الذي يواجه الدراسات الفكرية في العمارة ناتج عن أن الدراسات أصبحت مرتبطة بالسوق وليس بتوسيع مجالات الأفكار، وصارت برامج الدكتوراة مهتمة بتخريج موظفين وليس مفكرين. أصبح من الصعوبة بمكان إقناع أي باحث دكتوراة أن يخوض في مجالات يعتقد أن السوق لا يطلبها..
هل المطلوب أن تنتج برامج الدكتوراة مفكرين أم مجرد متخصصين؟ هذا ما بعث به زميل قديم، حيث أرسل لي مقالاً يقول إنه على برامج الدكتوراة أن تصنع مفكرين وليس مجرد تقنين.
يبدو أن مسمى "دكتوراة الفلسفة" أو PhD غير مفهومة بشكل واضح في كثير من برامج الدراسات العليا في الجامعات العربية، فغالب الدراسات إما تقنية أو سردية، وجميعها يعيش في زمن لا يرتبط بالحاضر ولا يحاول أن يعالج الواقع. في برامج الدكتوراة في تخصص العمارة، كان التخصص المهم هو "تاريخ ونظريات ونقد العمارة" History, Theory and Criticism، وهو تخصص يركز بشكل أساسي على خلق مفكرين في العمارة وليس مجرد مؤرخين أو تقنيين، لكن هذا التخصص تراجع كثيراً ولم يعد يحظى بأولوية في برامج الدراسات العليا على مستوى العالم وربما لم يبقَ إلا بعض الجامعات الكبرى التي تقدم هذا التخصص كمجال يفترض أن يخوضه نخبة المفكرين في العمارة.
سوف أتحدث عن تجربتي الشخصية في التعامل مع طلاب الدكتوراة في المملكة وخارج المملكة، وكيف أن مفهوم "النظرية والنقدي" غير واضح لكثير من الطلاب وحتى أساتذة العمارة العرب، إذ إن التعامل مع الأفكار التجريدية التي قد لا تقود إلى نهاية واضحة شبه محرم في كثير من الجامعات العربية (حرمة ليس لها ارتباط بالدين بل هي حرمة مرتبطة بمنهج التفكير الذي يعمل فقط وفق تصور المنتج النهائي وليس الخوض في الأفكار التجريدية). أذكر أنني تحدثت مع أحد الطلاب عن سردية العمارة، وكيف يمكن أن ننظر لها من خلال الجدل حول الهوية المعمارية والصورة الذهنية العمرانية. ركّز الحوار على العلاقة بين الهوية الفردية والهوية الجماعية بشقيها المادي والقيمي، وكيف أن هذا الحوار يمكن أن يأخذ مسارات مختلفة في كل مرحلة تدخل فيها العمارة في معترك فكري جديد. بالطبع كنت أحاول أن أبين له أن النظر للعمارة حقل فكري يختلف بشكل كبير عن التعامل معها كمكان وظيفي ومشهد جمالي، وبحث الدكتوراة يفترض أن يخوض في الأفكار وليس يسرد الصور والمشاهد فقط.
ولأن لي اهتمام خاص بالعلاقة بين ما يدور في ذهن الناس وبين آلية إنتاج العمارة، وكيف يمكن أن يؤثر هذا على تحديد صورة الهوية العمرانية، قلت له إن تتبع نشأة وتطور الهوية الفردية وكيف ساهمت في تغيير الموقف من الهوية المعمارية بشكل كبير، يعتبر إحدى النتائج "الإثنوغرافية" الأساسية التي يمكن التعويل عليها لفهم كيفية حدوث التغير في موقف أي مجتمع من العمارة، وكيف تطورت صورة ذهنية عمرانية جديدة لدى هذا المجتمع. ولأن فكرة "الهوية" في حد ذاتها، غامضة ويصعب وضع حدود لها لذلك تركز سردية العمارة على تأسيس "حوار" بين الفردي والجماعي وبين المادي والقيمي، وتتبع تطور هذا الحوار الجدلي حول عدم إمكانية خلق "هوية نقية" بل أصبحت العمارة في وقتنا الراهن تخلق "هويات مترددة" و"هويات متوازية" و"وهويات متعددة"، وهذه مسألة متوقعة يعيشها العالم أجمع.
التحدي الأكبر الذي يواجه الدراسات الفكرية في العمارة ناتج عن أن الدراسات أصبحت مرتبطة بالسوق وليس بتوسيع مجالات الأفكار، وصارت برامج الدكتوراة مهتمة بتخريج موظفين وليس مفكرين. أصبح من الصعوبة بمكان إقناع أي باحث دكتوراة أن يخوض في مجالات يعتقد أن السوق لا يطلبها. في الواقع إن ما بعث به الصديق حول التساؤل هل يجب أن ننتج متخصصين أم مفكرين أصبح بعيداً جداً في مجال العمارة.
يفترض أن الدراسات النقدية في العمارة تركز على المسار "الزمكاني" (زماني/ مكاني) الذي يحاول أن يرصد تطور العمارة في وقتنا الراهن، فهذه العمارة يحكمها التغير اللحظي الذي سوف يصطدم بكون المدار الفكري يكون دائماً في حالة "عدم ثبات"، مما يجعل ملاحقة الأفكار مهمة أساسية للبحث المعماري المعاصر. أي ظاهرة تتسم بعدم الاستقرار أو أنها محكومة بالتغير الدائم يكون قدرها مرتهن بما ستأتي به التطورات والأفكار القادمة التي ستجعل من العمارة حالة فلسفية متغيرة تستحق الدراسة باستمرار.




http://www.alriyadh.com/2045171]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]