تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المعجم الشخصيّ والارتقاء اللغويّ



المراسل الإخباري
11-25-2023, 03:13
http://www.alriyadh.com/media/thumb/f5/7a/800_73182a6e62.jpg اللغةُ فضاءُ الإنسان الذي يدرك من خلالها محيطه ونفسه والآخر؛ إذ لا شيء يدرك إلّا من خلال اللغة بحسب تعبير الدكتور عبدالسلام المسدي، وهذا يعني أن لا شيء يدرك خارج سلطة اللغة. واللغةُ بحرٌ زاخر تصعب الإحاطة به، لذلك حرص المبدعون ولاسيما في العصر الحديث على تأسيس معجم شخصيّ يميّزهم ويسمُ إبداعهم؛ تظهر فيه شخصيّتهم اللغويّة والجماليّة والثقافيّة، ويقصد بالمعجم الشخصيّ بإيجاز، طبيعة المفردات والأساليب والصور التي تشيع في نصّ ما، وتمكّن المتلقي من تخمين قائله أو كاتبه، بناء على طول دربة بأسلوبه وخبرة بإبداعه، فعلى سبيل المثال، عند الاستماع إلى نصّ شعريّ للسيّاب، أو لقبانيّ أو درويش، أو للمتنبي فسرعان ما يبادر المتلقي إلى تخمين صاحب النصّ، بناء على ما يشيع في النصّ من مفردات، وصور، وأساليب جماليّة تُشير إلى صاحبه، ولو لم يقرأ المتلقي النصّ نفسه.
المعجم الشخصيّ بطبيعة الحال مستمدٌّ ممّا تتضمّنه المعاجم العربيّة، إلّا أنّ حسّ المبدع الجماليّ هو ما يهديه إلى اختيار هذه المفردة دون الأخرى، مع مراس وتدريب، فالاختيار جزء من العمليّة الإبداعيّة، والمعجم الشخصيّ ليس حكرًا على المبدعين، بل باستطاعة كلّ شخص تأسيس معجمٍ شخصيّ يميّزه.
تبدأ مرحلة بناء المعجم الشخصيّ مع أول لحظة ثقافيّة يمرّ بها المرء؛ إذ إنّ كلّ شخص يرث من ثقافة الأوليّة مفردات وأساليب لها طابعها الخاصّ، لتأتي لاحقًا ثقافته المكتسبة، وحسّه الجماليّ، ووعيه الثقافيّ، بوصفها أدوات تُعينه في الارتقاء بأسلوبه اللغويّ الذي يمسي جزءًا من شخصيّته، من دون تقعّر وتكلّف، أو تقليد أعمى للدارج والمبثوث في وسائل الإعلام، فالجمال الأسلوبيّ شبيهٌ بما أخبر عنه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قومًا من العرب بخصوص الشّعر، فقال: أَشعرُ شُعرائكم من لم يُعاظِل الكلام ولم يتتبّع حوشيّه. أي لم يَحْمل بعضَه على بعضٍ ولم يتكَلَّمْ بالرَّجيع من القول ولم يُكرّر اللَّفظَ والمعنى، ويأتي بالغريب، ولا يحصل هذا ولا يكتمل بناء المعجم الشخصيّ إلّا لمن رُزق صدق النفس، وسلامة الطبع معزّزًا في المقام الأول بقراءات متعدّدة عميقة مستمرّة.
بهذا البناء المعجميّ يحصل الارتقاء الحضاريّ، فتعود نتائجه على شخصيّة صاحبه الاجتماعيّة والثقافيّة والإبداعيّة، وعلى الثقافة المجتمعيّة عمومًا؛ إذ إنّ الركون إلى المتداول والمقيم يصيب الثقافة واللغة وصاحبهما بالعقم الإبداعيّ، فالثقافة تفقد حيويّتها، واللغة تذهل عن جماليّاتها، وتصبح المعاجم مقابر للكلمات ومتاحف صامتة، بدلًا من أن تكون حدائق غنّاء، ولاسيما في معاجم اللغة العربيّة التي فيها من الكلمات والثراء ما يبزّ أكثر اللغات الحيّة وفرةً ودقّةً وجمالًا.
ومن الطريف في أمر تأسيس المعجم الشخصيّ ما قام به الروائيّ «ميلان كونديرا» من إنشاء معجمٍ شخصيّ حقيقيّ لا مجازي معنويّ، وعلى نحوٍ عمليّ، ولكن لغاية مختلفة؛ إذ من أجل أمن لبس ترجمة أعماله إلى لغات أخرى، بعد أن رأى عدم دقتها، شرع في إنشاء معجم شخصيّ يوضح فيه بعض المصطلحات المنتشرة في أعماله، والكلمات المفتاحيّة الواردة فيها والمشحونة برؤيته الشخصيّة واستعماله الخاص، من مثل تعريفه: المخيّلة، وهوس الكتابة، والأفكار، وسيادة الطفولة...وغيرها، ومن جملتها تعريفه «سيادة الطفولة» التي يقول فيها: جديةُ طفلٍ تعني وجه العصر التقنيّ، وسيادة الطفولة تعني مَثَلُ الطفولة الأعلى المفروض على الإنسانيّة.




http://www.alriyadh.com/2045165]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]