التنزه داخل المكان

اتصلت على إحدى قريباتي لأسألها عن ابنها المريض فأجابتني أنه بخير ويتحسن ببطء¡ والحمد لله على كل حال.. وأردفت اليوم أخرجته من غرفته ليتنزه.. توقفت عند الكلمة سريعاً¡ وسألتها: إلى أين أخرجتيه ليتنزه¿ قالت: إلى صالة المنزل ليغير جوا معنا. مع أخواته وإخوانه. دعوت له بالشفاء وأن يمن الله عليه بلباس العافية وأقفلت الخط ولكن ظلت عبارة "أخرجته من غرفته ليتنزه في الصالة" عالقة معي وفي ذهني¡ تشرح بصورة مبسطة ترفيه السعوديين وكيفية ممارسة هذا الترفيه¿
هذه السيدة الجميلة التي كما أعرفها¡ نزهتها الوحيدة في صالة البيت ومن ثم تذهب إلى بيت أهلها نهاية الأسبوع وهو تنزه على مستوى أوسع¡ ولذلك هي تشعر أنّ مجرد إخراج ولدها إلى الصالة يعتبر نزهة¡ وتغيير للمكان وبالتالي قد يحسّن مزاجه كثيراً هذا التنزه¡ توقفي أمام العبارة يأتي ليس لجمالها ولكن لأنها فتحت أبواباً كثيرة للمعنى وجسدت مفهوم الرضا والقناعة والامتنان بأن هناك فرصة للتغيير¡ وفرصة للحياة بوسائل في متناول اليد.
عدت بالذاكرة لأيام جازان وتلك الحياة البسيطة غير المتكلفة وتذكرت نفس العبارة التي سمعتها عندما كانت النساء ترددها ببساطة عن الولد الذي خرج "يتنزه" ويفك عن نفسه وهذه النزهة كانت تشمل المشي على قدميه في الحارة أو الحارات المجاورة¡ وأحياناً تقول لي زميلة بفرح طاغٍ: خرجنا البارحة نتنزه على البحر البكر وجلسنا لعبنا¡ أو ذهبنا إلى قرية مجاورة من القرى التي تحيط بجازان للتنزه ولعبنا بين الأشجار. كانت تحكي والجميع يستمع غابطاً لها على النزهة التي قامت بها وهي لم تغادر مدينتها ولم تبعد عنها سوى مسافة يمكن قطعها مشياً على الأقدام.
عندما كان الشاب يشتكي من ضيق الخلق أو الفتاة تضيق من قعدة المنزل يقال لها: اخرجي تنزهي عند زميلتك أو الجيران وكان البعض يقول: "تنفسي" بمعنى أنها تكسر حاجز الضيق الذي تشعر به وتتنفس هواءً أنقى وأنظف خارج الدائرة.
ومن كلمة التنزه القديمة جاءت المتنزهات والتي يذهب إليها الناس للنزهة والتي أنشأتها الدول¡ ليهربوا من تكرار الجلوس في المنزل وهي ترفيه بسيط وغير مكلف يتماشى مع فكرة الخروج إلى الشارع دون أن تدفع شيئاً أو تتكلف به¡ والهدف هو تغيير نمط الحياة والتنفس والمتعة لأفراد العائلة.
توقفت أمام تنزه ذلك الشاب لأن المجتمع كله حالياً مشغول بفكرة الترفيه وهيئتها التي أنشئت وماذا ستقدم للمجتمع الذي جزء كبير منه يرضيه الترفيه البسيط من مكان نظيف مهيئ يجلس فيه مع عائلته ومساحات خضراء واحترام له¡ وأسعار بسيطة أو ترفيه مجاني¡ يجلس من خلاله أمام البحر المفتوح تتوفر له جلسات مريحة ومظلات ونظافة واهتمام¡ وليس أن يذهب إلى البحر ليتنزه ويجده مغلقاً ومحاصراً بالمنتجعات والمشروعات التي تحرمه رؤيته كما هو في جميع أنحاء العالم.
لا يبحث بعض الناس عن المستحيل بل يبحثون عن التنزه البريء من أجل أن يعاودوا الحياة بشكل أفضل وأجمل متدثرين بالأمل وملامسة التغيير..!!




إضغط هنا لقراءة المزيد...