مسند نجد

يروى أن الحافظ ابن رجب تكلم في مسألة وأفاض فيها وفصل حتى تعجب طلابه من سعة علمه ودقة فهمه. ثم حضر الحافظ مجلسا كان فيه رئيس القضاة وجمع من الفقهاء والوجهاء¡ تحدثوا فيه بمسائل حتى بلغوا المسألة التي فصل فيها الحافظ¡ فلم يأتوا بشيء يقارب ما ذكره ابن رجب. فظل طلاب الحافظ ينتظرون من شيخهم أن يتكلم في المسألة فلم يفعل حتى انفض المجلس. فقال له أحد طلابه: أحسن الله إليك¡ كنت تكلمت في المسألة تلك في المسجد وفصلت فيها¡ وعندما جاء ذكرها في المجلس لم تقل شيئا¡ فليتك تحدثت فيها ليعرف الناس فضلك. فقال الحافظ ابن رجب: مجلسي معكم لله¡ وهذا مجلس يراد به الدنيا.
تذكرني هذه القصة بسيرة مسند نجد معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن إسحاق آل الشيخ - رحمه الله - الذي توفي الأسبوع الماضي. فقد مد الله في عمره حتى تجاوز المئة فأدرك وقرأ على كثير من كبار علماء المملكة السابقين من أمثال الشيخ سعد بن عتيق الذي أخذ عنه مرويات كثيرة جعلت الشيخ محمد أعلى أهل زمانه في رواية الحديث سندا. وكما هو معلوم فإن لعلو السند فضلا عند أهل الحديث¡ فقد روي أن يحيى بن معين قيل له في مرضه الذي مات فيه: ما تشتهي¿ قال: بيت خال وإسناد عال. وما زال في طلبة العلم من يحرص على هذه السنة اليوم¡ وهي كما يقول أحمد بن حنبل: طلب الإسناد العالي سنة عن السلف.
وقد لفت نظري منذ عرفت الشيخ محمد وأنا صغير أنه لا يتكلم إلا قليلا¡ موجز في عباراته بعيد عن فضول الكلام. وعندما قرأت سيرته وجدتها سمة قديمة ذكرها الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في إجازته له: وكان [..] متحليا بحسن الديانة والتقوى والورع والثقة والأمانة¡ مع الهدوء والعقل الراجح. فقد أجازه الشيخ محمد بن إبراهيم في عدد كبير من الكتب العلمية في علوم الشريعة واللغة العربية بعد أن لازمه خمسة وعشرين عاما. ومع كل هذه السيرة العريضة في طلب العلم والعمل به حيث قرأ عليه عدد كبير من طلبة العلم¡ بل كان في ذلك متبعا سيرة السلف¡ أن يكون هذا الدين كله لله. رحم الله الشيخ وأسكنه فسيح جناته.




إضغط هنا لقراءة المزيد...