تقادم القوانين مدعاة للفساد

علاقة الأنظمة والقوانين بالناس مثل علاقة البوليس بالحرامي.. عندما يطور البوليس قدراته وإمكانياته وأنظمته وأدواته لا تتلاشى السرقة.. يعمد اللصوص إلى مواكبة هذا التطور بتطوير أساليب عملهم. هكذا هي الحياة. عندما تضع قانونا للسفر أو لإصدار رخصة القيادة سيكون هذا القانون رائعا في زمانه. سيأتي مستندا على الخبرات السابقة ومتفاديا العيوب التي كانت في السابق. كما أن القانون السابق تقادم فهذا القانون سيأتي عليه يوما ويصبح قديما. تستند القوانين على وعي الناس والإمكانيات التقنية في زمانها والخبرات. أمور متغيرة. تتجاوزها قدرات الناس ووعيها الجديدة ومتطلباتها الجديدة. تصبح القوانين التي كانت يوما عونا للناس معيقا لهم. المأساة التي يوجهها الناس هي تعقيد تغيير القوانين أو تطويرها¡ بل إن بعض القوانين ترتبط بعادات الناس وبعض القوانين ترتقي عند الأمم المتخلفة بالتقادم إلى درجة التقديس. وأهم من هذا كله ارتباط مصالح النافذين والأقوياء بهذه القوانين.
أشرت في مقال سابق أن معظم القوانين في المملكة مازالت على علاقة كبيرة بالقوانين التي سنها رواد التنمية والتحديث في السبعينيات من القرن الماضي. كانت قوانين رائعة في زمانها. نقلت المملكة إلى العصر الحديث. دخلت كلمات مثل تصنيع وتحديث وتنمية وغيرها في وعي الناس وثقافتهم. كانت على ما أتذكر تهدف في المقام الأول تطوير الإنسان السعودي. لكنها بعد فترة ومع غياب التحديث تحولت إلى مشكلة.
أعطيكم مثالينº من ضمن قوانين التعاقد مع الشركات أن تلزم الشركة تدريب عدد من السعوديين على التقنيات التي تمتلكها الشركة وتوظيفهم. في حال عدم تنفيذ هذا البند تضطر الشركة المتعاقدة دفعَ نسبة (أظنها عشرة في المئة) للدولة.. هذا الجزاء أصبح مخرجا للشركات من هكذا التزام. أصبحت الشركات تتقدم للمناقصة بسعر مضاف إليه مبلغ عشرة في المئة. وفي نهاية العقد تعيد هذه العشرة في المئة إلى الحكومة وتخلي مسؤوليتها. لا أتذكر أن أحدا في ذلك الزمن حاول تطوير هذا القانون للتصدي لهذا التحايل.
المثال الثاني: سنت وزارة الإعلام قانونا يقضي بأن أي مسلسل تلفزيوني غير سعودي يجب أن يضم ممثلا سعوديا للنظر في شرائها. في البداية مضى القانون بشكل جيد. لكنه تطور حتى أصبح المنتجون الأجانب يتعاقدون مع حي الله سعودي في دور تافه وبذلك يكون حقق الشرط. الفكرة من حيث المبدأ رائعة وقانون وطني لتطوير الدراما السعودية¡ لكنه سقط كما تسقط كل القوانين التي لا تعالج بالتحديث والتطوير وحتى بالإبطال.
قوانين المملكة في كل مجال رائعة بيد أن معظمها مع الأسف تجاوزه الزمن فانقلبت الأهداف من تنمية إلى تخلف.




إضغط هنا لقراءة المزيد...