لكي تكتب قصيدة

يقول الشاعر الألماني ريلكه (ت1926م) موضحاً بعض متطلبات إبداع بيتٍ شعري واحد: «لكي تكتب بيتاً واحداً من الشعر¡ لا بدّ من أن تكون قد رأيت كثيراً من المدن والناس والأشياء¡ لا بدّ من أن تعرف طباع الحيوان¡ وطيران العصافير¡ وحركة الأزهار الرقيقة حين تتفتّح في الصباح. بل لا بدّ من أن تملك ذكريات كثيرة عن ليالي حب كثيرة¡ كل ليلة منها لا تشبه أختها. أجل¡ ليس الشعر كما يظن الناس مشاعر وأحاسيس¡ وإنما هي تجارب العمر كلّه».
قد يبدو كلام ريلكه عن الطريق الذي ينبغي أن يسلكه المرء لإبداع بيت واحد من الشعر مُبالغاً فيه¡ خاصة في عصرنا هذا الذي تتاح فيه أمام الكاتب عشراتُ الوسائل لنشر كل ما يكتبه في أي وقتٍ يشاء¡ وأصبح كثير من الأشخاص يستسهلون الكتابة الأدبية في فنون هي أكثر صعوبة وتعقيداً من الشعر¡ كالرواية التي لم يعد مستغرباً أن يصدر منها سنوياً مئات العناوين لكُتاب شباب لا يمتلكون أي تجارب تستحق أن تُروى¡ ولم يقرأ بعضهم في الفن الذي كتب فيه إلا نماذج قليلة وعشوائية ولا يمكن أن تُهيئ لإبداع شيء جديد ومختلف. الواقع يثبت أن ريلكه لم يكن يبالغ أبداً¡ فهو يتحدّث عن أمور من شأنها أن تُلهم الموهوب لكتابة ما هو أجمل وأكثر إبداعاً من القصائد التي لا تعدو كونها تعبيراً عن مشاعر طارئة قد لا يختلف معظم الشعراء في تعبيرهم عنها.
قبل ريلكه بقرون نبّه ابن رشيق القيرواني (ت456هـ) إلى ما ينبغي للشاعر امتلاكه من معارف وخبرات قد تساعده على التعبير عن مشاعره بصورة أفضل¡ فقال: «والشاعر مأخوذٌ بكلِ علم¡ مطلوبٌ بكل مكرُمةº لاتساع الشعر¡ واحتماله كُل ما يُحتمل: من نحو¡ ولغة¡ وفقه¡ وحساب¡ وخَبر¡ وفريضة واحتياج أكثر هذه العلوم إلى شهادته¡ وهو مُكتف بذاته¡ مُستغنٍ عما سواه (...) وصاحبه الذي يذُم¡ ويهجو¡ ويمدح¡ ويعرف ما يأتي الناس من محاسن الأشياء¡ وما يذرونه¡ فهو على نفسه شاهد¡ وبحُجته مأخوذ»¡ ولم يكتف ابن رشيق بمطالبة الشاعر بمعرفة كل هذه العلوم¡ فطالبه بأمورٍ أخرى يتوجب عليه الإلمام بها لصقل موهبته كرواية أشعار الكبار المتقدمين¡ و»تصفُح أشعار المولدين»¡ لأن الشاعر «إذا أعانته فصاحة المتقدّم¡ وحلاوة المتأخر اشتدّ ساعده¡ وبعُد مرماه¡ فلم يقع دون الغرض».
يغفل كثير من الشعراء عن حقيقة أن إبداع شعر مميز ومتجاوز يتطلب إضافةً للموهبة الجيّدة كثيراً من الجهد والتأمل والتجارب العميقة والمعارف التي يعني امتلاكها زيادة القدرة على ترجمة المشاعر¡ وزيادة تأثير القصيدة على المتلقين¡ فيستمرون لسنوات طويلة في نظم ما يظنونه شعراً وهو أبعد ما يكون عن الشعر.
أخيراً يقول نواف الصويمل:
اتعب لـ حرفك واترك الحرف يختال
ترى الصعوبة فالقصيد: السهولة
لا تكتب اللي فـ السواليف ينقال
اكتب لنا اللي «ما قدرنا نقوله»




إضغط هنا لقراءة المزيد...