ما الذي يخيفهم من ترامب¿

كي تفهم أميركا يجب أن تفهم كيف ولماذا ظهرت بهذا الشكل¿.. لا يمكنك الحديث عن "الولايات المتحدة الأميركية" كبلد عريق¡ أو ثقافة موحدة¡ كونها تشكلت من آلاف الأعراق¡ والثقافات المختلفة.. كانت أرضاً فضاء (في حال استثنينا الهنود الحمر) تهافت عليها المهاجرون من مختلف أصقاع الأرض.. بدأت بولاية فيرجينيا الإنجليزية (عام 1607) قبل أن تجاورها ثلاث عشرة ولاية تابعة لبريطانيا على ساحل الأطلسي (وهذا بالمناسبة سر لغتها الإنجليزية).. وخلال الثلاث مئة عام التالية توسعت إلى 50 ولاية انضوت تحت اتحاد فيدرالي أكبر¡ يملك معظمها حق الانفصال كدولة مستقلة (بل إن ولاية تكساس كانت بلدا مستقلا قبل أن تنضم طواعية للاتحاد الأميركي عام 1846).. كل ولاية في هذا الاتحاد تملك حكومة خاصة¡ وقوانين متفاوتة¡ وإمكانيات هائلة¡ لدرجة أن كاليفورنيا (لو فكرت بالخروج من الاتحاد) لغدت سادس أقوى دولة في العالم.. متقدمة على فرنسا وجميع الدول العربية..
غير أن قوة أميركا الحقيقية تأتي من مهاجريها¡ واستقطابها لأفضل العقول في العالم.. أول ثلاث عشرة ولاية تشكلت أساساً من مهاجرين متدينين اضطهدوا في بريطانيا فعمدوا لصياغة دستور (لا ديني) يضمن للجميع حرية العبادة والمعتقد.. أما المهاجرون (القادمون لاحقا) فتنوعوا ما بين علماء مميزين¡ ومضطهدين سياسيين¡ وحالمين بالثراء¡ وأشخاص عاديين يبحثون عن حياة أفضل (ومن هنا ظهر مصطلح الحلم الأميركي).. شجعهم على ذلك أن الدستور الأميركي يمنع التمييز بين المهاجرين (ناهيك عن المواطنين) على أساس عرقي أو ديني¡ كما يمنع الحكومة من التدخل في حياة الناس ومعتقداتهم الشخصية..
لا يمكنك مثلا أن ترفض استقبال المهاجرين الجدد لأنهم مسلمون أو بوذيون¡ أو لأنهم قادمون من أفريقيا أو بنغلاديش¡ أو لأنهم لا يؤمنون بالأسس المسيحية التي قامت عليها المستوطنات الأولى.. لهذا السبب صعق كثير من الأميركان (قبل أن نصعق نحن) من قرار ترامب حظر دخول المسلمين القادمين من سبع دول¡ كون قراره هذا (الذي نقضته المحكمة الدستورية) يجمع بين التمييز الديني والعرقي والجغرافي.. المظاهرات التي قامت للتنديد بقراره لم تقم لأنه متعلق بمهاجرين مسلمين أو عرب¡ بل لأنه يهدم الأسس التي قامت عليها أميركا (وكنا سنرى مظاهرات مماثلة لو أن ترامب أصدر قرارا بمنع اليهود أو الفلسطينيين أو حتى الإيرانيين من دخول أميركا)..
فقرار كهذا يؤسس لدولة نازية عنصرية¡ ويلغي صورة أميركا كدولة مفتوحة¡ ويحد من قدرتها على استقطاب الحالمين¡ والمبدعين¡ والعقول المميزة..
أنا شخصياً لا أنظر لأميركا كدولة تقليدية¡ بل كـ(مساحة جغرافية) هاجرت إليها نخبة العقول البشرية.. أراها بمثابة بوتقة¡ وتجمع عالمي مصغر¡ (ولكن) ضمن دستور لا يميز بين البشر على أساس عرقي أو ديني أو ثقافي!
خروج ترامب على هذه المبادئ¡ هو ما يخيف الأميركان ويهدد هوية أميركا هذه الأيام..




إضغط هنا لقراءة المزيد...