-
طه حسين وشعراء تويتر
تمنّى بعض القراء لو أن عبارة: "اقطعوا لسان الشاعر"¡ التي استخدمت مجازاً في عصور مضت¡ قد استخدمت على حقيقتها عند التعامل مع أكثر شعراء هذه الأيام¡ وسبب هذه الأمنية انزعاجهم من كثرة أعداد الشعراء¡ ومن الكم الهائل من الغثاء الذي يُنشر في وسائل الإعلام والتواصل بشكل يومي على أنه شعر وهو أبعد ما يكون عن الشعر¡ والحقيقة أنني أجد لهم بعض العذر حين يُعبّرون عن انزعاجهم بمثل هذه الأمنيات المتطرّفة¡ لكنني أعود دائماً للوقوف إلى جانب الشعراء¡ والمطالبة بالصبر عليهم والإحسان إليهم¡ والسبب الأول لتعاطفي معهم هو اعتقادي أن المبدعين منهم ضحايا لثورة التقنية¡ وأن وسائل التواصل الحديثة التي توفرت بين أيديهم هي التي دفعتهم لاستعجال الكتابة واستسهال النشر¡ كما أن توفرها بين أيدينا جعلنا في حالة تشبع من الشعر عموماً¡ وأصاب المتلقي بصدمة من أعداد الشعراء الذين لم يكن يتصور أنهم يعيشون حوله.
ومن الأمور الطريفة أن عميد الأدب العربي طه حسين عبّر قبل أكثر من نصف قرن عن تخوفه من التأثير السلبي للوسائل الحديثة على إنتاج الأدباء¡ ولم يكن يعني: "تويتر" و"سناب شات" و"القنوات الفضائية"¡ بل وسائل عصره: الراديو والصحف والمجلات¡ يقول طه حسين: إننا "نعيش في عصر السهولة والسرعة¡ في عصر الراديو والسينما والصحف اليومية والمجلات اليسيرة والجمهور القارئ الضخم والمواصلات السريعة¡ وكل هذا سيعرّض الأدب والأدباء¡ وقد أخد يعرضهم بالفعل¡ لمحنة قاسية¡ فسيلتجئ الراديو والصحف والمجلات إلى الأدباء¡ وسيتعجلهم في الإنتاج¡ وسيضطرهم للسرعة¡ وسيحول بينهم وبين الأناة التي تمكنهم من التجويد¡ وسيجدون أنفسهم بين اثنتين: إما أن يستجيبوا للراديو والصحف والمجلات فيضعف فنهم ويبتذل بعض الشيء¡ وإما أن يمتنعوا عليها فيشقوا على أنفسهم ويخلوا بين الجمهور وبين أصحاب الأدب الرخيص".
الأدباء المبدعون في نظر طه حسين بين نارين: نار الوسائل الحديثة والسهلة التي تغريهم بالاستعجال في الكتابة ونشر العادي¡ ونار أصحاب الأدب الرخيص الذين سيستغلون أي فرصة يغيب فيها المبدع لكي ينشروا إنتاجهم الرديء. والمحنة التي تحدّث عنها تضاعفت هذه الأيام لأن الوسائل السريعة زادت سرعتها¡ ولأنها هي فقط المتاحة أمام الشعراء لإيصال جديدهم¡ هذا السبب يدعوني لالتماس العذر للشعراء –وبالذات المبدعون-والتعاطف معهم¡ وهناك سبب آخر سأؤجل الحديث عنه لمقال قادم بإذن الله.
أخيراً يقول عبدالقادر متعب:
من غير حتى كلمتين عــــتاب
ومن غير لا أدري كيف ودّعته
كان بحياتي كل شيء وغاب
كان أجمـــــــل دروبي وضيّعته
إضغط هنا لقراءة المزيد...