-
تفكيك المؤسسات
زار الفيلسوف الفرنسي دريدا مصر لأول مرة في نهاية التسعينيات الميلادية¡ وكان له تعليق لافت حول هيكلة المؤسسات في مصر حيث طالب بتفكيكها. ودريدا هو صاحب النظرية التفكيكية في الفلسفة والأدب¡ التي دار حولها جدل طويل نظرا لغموضها¡ وقد اتهم دريدا بتعمد الغموض لإثارة الجدل. تذكرت تعليقه وأنا أتابع عددا من القرارات الهيكلية الأخيرة التي اعتمدت التفكيك بما يتماشى (وإن ظاهريا) مع تعليق دريدا¡ والتفكيك المؤسسي يرجى منه أمران رئيسيان¡ أولا التخصص¡ ثانيا تقليص حجم المؤسسات¡ وتكون محصلة الأمرين أن تصبح المؤسسات أكثر رشاقة.
ولفهم دور التفكيك وما يرجى منه لنفترض أن لدينا عشر مؤسسات وكل مؤسسة بها إدارة قانونية¡ والإدارة القانونية في كل جهة تعمل بشكل متطابق تقريبا من حيث الإجراءات ومنهجية العمل لكن بدرجات متفاوتة من الكفاءة. يقتضي التفكيك أن تنتزع الإدارات القانونية من الجهات العشر جميعها لتدمج في جهاز واحد. نتيجة لذلك يكون حجم المؤسسات العشر قد تقلص¡ فالجهات المنتزع منها أصبحت أصغر¡ كما أن الجهاز الجديد سيكون متخصصا¡ وأقل تعقيدا من الجهاز الذي كان ينتمي إليه. كما سيزداد تخصص الجهة المنتزع منها بحيث تركز على ما تتقنه موكلة الأمور الأخرى لغيرها¡ والجهاز الجديد يكون صغيرا ومتخصصا في موضوع واحد¡ الشؤون القانونية فقطº وحسب مفهوم التنافسية لبورتر¡ فإن المؤسسة المتخصصة في مجال واحد دقيق أقدر على التميز من غيرها¡ حيث يوجد علاقة طردية بين تخصص المؤسسات وقدرتها على المنافسة.
لكن رغم ما للتفكيك من مميزات إلا إن له عيوبا¡ فمن عيوب التفكيك صعوبة التنسيق بين الجهات. فمع زيادة عدد الجهات تزيد أهمية إيجاد وسائل فعالة للتنسيق¡ ومع تقدم وسائل التقنية الحديثة¡ أصبح من الممكن تخفيف عبء التنسيق بتوحيد الأنظمة الالكترونية بين الجهات ذات العلاقة¡ ومن عيوب التفكيك زيادة عدد المدراء التنفيذيين ومجالس الإدارة¡ حيث يتطلب من الجهات الجديدة ربطها بالجهات الأخرى إشراك أصحاب المصلحة في اتخاذ القرار. لذلك فإن التفكيك من الوسائل الفعالة في رفع الكفاءة¡ خاصة في القطاع العام¡ لكنها وسيلة دقيقة تحتاج إلى فهم عميق للعلاقات بين المؤسسات قبل اللجوء إليها. وتوجد أمثلة لمجالات بحاجة إلى إعادة الهيكلة اعتمادا على التفكيك في أكثر من مجال من أهمها العقود والمشتريات¡ فإن العقود والمشتريات تحتاج إلى تخصص وفهم عميق يستحق معها توفير مؤسسة مستقلة لإدارتها. أما عن تعليق دريدا اللافت¡ وما علاقة الفلسفة بالإدارة¡ فلذلك حديث آخر.
إضغط هنا لقراءة المزيد...