بورخيس/سباتوالصديقان اللدودان¿! 2/2
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png «ويليس: كيف نمت البارحة¿
بورخيس: اعتيادياً أرى كابوسين في الليلة الواحدة¡ ولكن عندما أرى كابوساً واحداً أدرك على الأقل بأنني نمت قليلاً¡ وأقول لنفسي في الكابوس: أنت لا تعاني من الأرق»
(و/ب)
كانت مساحة اللمحات الماضية مشغولة بالمقدمة عن الكيفية التي تمت بها اللقاءات التي تمكن من إجرائها (أوراندو بارون) مع قمتين في الأدب العالمي¡ خورخي لويس بورخيس¡ إرنستو سباتو الأرجنتينيين¡ وكان الهدف من اللقاء المفيد مع الاثنين أن يترك المحاور دوره في أحايين كثيرة لكي يدع الاثنين يحاوران بعضهما بطريقة ذكية¡ إذ يطرح سؤالاً يعرف هو أنهما قد يختلفان فيه ولو بشكل بسيط¡ لكنه يمكن أن تتوسع دائرته ببعض من فضول المحاور الذي يدخل بلفتة خاطفة وكأنه لا يقصدها¡ مما يثير أحد المتحاورين¡ أو أنه يرى في ذلك ما يعتمل في ركن قصي من نفسه كمحترف في الإعلام الثفافي بأن هذا ما يبحث عن المتلقي وهو يعرف ضيفيه تماماً¡ فالصديقان اللدودان حتى ولو اتفقا على الكثير فلا بد أن هناك ما يختلفان فيه إما في المواجهة أو في مجالسهما الخاصة أو في الكتابات التي يتناولها كل واحد منهما.
عندما اتفقا على المكان والكيفية التي تعرَّفا فيها على بعضهما مع تذكّر كل منهما للمقابل وقد اشترط فيها المحاور أن يبتعدا عن الخوض في الأمور السياسية¡ وكان بورخيس قد أبدى الموافقة الرمادية ليستمر الحوار على تلقائيته التي تحمل الجديِّة لكونها تصدر من مفكرين مبدعين.
يواصل سباتو ليجيب على بورخيس حول موضوع الابتعاد عن السياسة:
سباتو: قد أقول بالأحرى إننا كنا نتجاذب أطراف الحديث في كل ما كان يُفتننا¡ ويخلب ألبابنا جميعاً¡ أنا¡ أنت¡ بيو¡ وسلبينا¡ وأقصد بهذا الأدب والموسيقى.. لكن هذا لا يعني بالضرورة¡ أننا لم نكن نكترث بالسياسة. على الأقل¡ فيما يخصنا بالذات.
بورخيس: ما أردت قوله يا سباتو¡ هو أننا لم نكن نحيل في معرض أحاديثنا على الأخبار اليومية العابرة.. تلك الأخبار التي تروجها الصحف والجرائد السيارة.
ويكون محور النقاش بينهما في هذه الجلسة ومداره حول الصحف والمجلات¡ وما يمكن معرفته بواسطتها وما تحمله من توجّهات إيديولوجية تبعاً لتوجهاتها السياسية التي تملي عليها السير في اتجاه معين حتى لو كان مجانباً للوقائع والحقائق – الحديث كان عام 1974 - حيث الأرجنتين وما حواليها كانت تخضع لحراكات واضطرابات داخلية¡ وفي ذلك كان الاثنان يركزان على أن يكون الحوار في الثقافة العامة وما يتناول منها الأدب خاصة ولو كان للفلسفة البعض اليسير.
سباتو: من الأجدى نشر دورية أخبار بعد نهاية كل سنة¡ أو عندما ينصرم قرن من الزمان¡ أو حينما يجدُّ حادث ما يكتسي أهمية قصوى.. حين ذاك¡ يمكن للصحيفة أن تصدر صفحتها الأولى بمثل هذا العنوان: «اكتشف السيد كريستوفر كولومبس أمريكا¡ وأن تفرد له ثمانية أعمدة!
بورخيس: وفوق ذلك.. لم أقرأ أبداً ولو صحيفة واحدة مثل ما أوصى بذلك إمرسن.
سباتو: وصية من¿
بورخيس: إيمرسن – مفكر وأديب أمريكي – إنه أوصى بقراءة الكتب¡ لا الجرائد.
(هنا لا يترك المحاور بارون لهما أن يفترساه كاملاً إذ يفاجئ بكلمة خطرت له وهو يمعن في إصغائه لحديثهما الذي كان يحفظه في آلة التسجيل¡ ويريد أن يستغل الوقت في إثراء الحديث وتنوعه)¡ فقال:
_ بارون: أود لو سمحتما أن تتحدثا عن الفترة التي كنتما فيها¡ عند بيو..
بورخيس: عجباً! تتحدث عن هذه الفترة¡ كما لو أنها كانت تنتمي لعهد غابر! أجل بالتأكيد هي فترة بعيدة¡ إذا نظرنا إليها من زاوية التعاقب الزَّمني البحث¡ ومع ذلك أشعر بها وأفكر فيها¡ كما لو أنها حدثت اليوم فقط¡ ثم إنَّا نادراً ما كنا نجتمع.
سباتو: أليس للزمن وجود بالنسبة إليك¿
_ بورخيس: بلى¡ لكني أردت أن أقول بأني أعيش ذهنياً وسط ذلك الزمن بالذات¡ أضف إلى هذا¡ أنّ عماي يساعدني على الشعور به كذلك..¡ أتذكر مثلاً السّجال الذي جمع بين بويدو وفلوريدا - مساجلة أدبية/ سياسية شهيرة في الأرجنتين جرت في الثلاثينات من القرن الماضي - لم تكن سوى مزحة¡ وكان وراءها كل من روبير تومارياني¡ وإرنستو بلاسيو.
سباتو: أتفق معك يا بورخيس¡ لكن هذه الحقبة ليست حقبتي.
بورخيس: أجل أعلم ذلك¡ لكني أذكِّر نفسي بهذه المرحلة التي أشترك فيها مع بويديو وفلوريدا¡ وضعوني مع فلوريدا رغم أني فضلت أن أكون إلى جانب بويدو¡ إلا أنهم قالوا لي بأن الأدوار وزعت من قبْل ولم أكن أنا أستطيع بالطبع تحمل ذلك مما جعلني أذعن له مكرهاً..
سباتو: هل تذكر أنك إلى جانب الأدب والفلسفة كنت وبيوي شديدي الرغبة في الانفتاح المعرفي على الرياضيات¿ على مسألة الزمن والبعد الرابع وغيرها من الموضوعات الأخرى التي خضتما فيها¡ حول «دون» وعالم التسلسل.
بورخيس: عفريت.. أذكر ذلك بالتأكيد وخضنا كذلك في الأعداد المتعدية¡ وتناقشنا حول الكانتور.
_ سباتو: وحول العود الأبدي¡ ونيتشه¡ وبلانكي.
يستمر الحديث ويتشعب¡ وهو في تشعبه يغوص حلزونياً إلى الأعماق والجذور ثم يرتفع ويسمو إلى الأعالي وهو يزخ بأمطاره الماتعة المفيدة التي تروي حقول ومزارع العقول المبدعة وما يلحق بها من الجديد الباحث عن السبيل الموصلة إلى الكيانات الإبداعية والفكرية في المحيط العالمي الكبير فبورخيس/ سباتنو لهما من القدرات ما يمكنهما من بناء أهرامات عديدة من الإبداعات وما يحتويه ملفها. بل ملفاتها العديدة.
أتوقف وبي شوق المواصلة لأن الخزاَّن الكبير لم يزل مليئاً بالمفيد الذي لم نأخذ منه إلا أقل من القليل فهناك الكثير مما تطرقا إليه مما يجبر على (لمحات آخر) لا أقول أخرى¡ فعسى أن أتمكن من الوفاء بها¡ آمل ذلك.
http://www.alriyadh.com/1804655]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]
