المثقف.. بين توهُّم امتلاك الحقيقة وعُنف البداهة
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png تشهد ساحاتنا الفكرية والثقافية وكذلك منصّات التواصل المتعددة حالات من العنف الرمزي والمادي مشوب بالكثير من الادّعاء والزيف والوثوقيةº لا تخلو من صراعات يدّعي مثيروها بأنّم مُلاّك الحقيقة واليقين الساطع الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه..
آفة الثقافة والمعرفة وكذلك الفلسفة¡ تَلَبُّس بعض مدّعيها بالوثوقية وتورّم الأناº فيتوهّم هذا البعض امتلاك المعرفة والحقيقة بمفرده¡ في حين أن ميزة هذه الحقول المعرفية والفكرية والفلسفية أنها حق مُشاع لكلّ راغب في الاستنارة والتوعّي والنهل من كل ما يروي ظمأه ووجدانه من علوم ومعارف ومهاراتº ومن ثمّ فلا تقبل تلك المُمكِنات المتاحة الوصاية ولا الأبوية¡ فالثقافة والفلسفة والفكر عموماً جميعها تؤمن بِدَمَقْرَطَتها وإشاعتهاº متيسّرة لمن يملك الشغف والدأب والقدرةº وتنفر من أي فكر دوغمائي إقصائي متطرف¡ وتمنح صاحبها سلطة وقوّة تتأبّيان على التدجينº وهنا مكمن سحرها وقوتها. لا تستطيع حكرها أي "الثقافة والفكر والمعرفة" في قاعة درس أكاديمي أو تسيّجها بلقب أو درجة علمية أو غيرها. لو كان ذلك كذلك لاحتُكِرت وغدت سوراً منيعاً لا يجتازه الآخرون. لذا فَبِقَدْرِ تحصيلك ودأبك وجُهدك القرائي والتحصيلي وبُعدك عن الادّعاء وشرَك الوثوقية الخادع تكون مثقّفاً ومفكّراً حقيقياً مُؤثِّرا ومُحترَماً.
للأسف تشهد ساحاتنا الفكرية والثقافية وكذلك منصّات التواصل المتعددة حالات من العنف الرمزي والمادي مشوب بالكثير من الادّعاء والزيف والوثوقيةº لا تخلو من صراعات يدّعي مثيروها بأنّم مُلاّك الحقيقة واليقين الساطع الذي لا يأتيه الباطل من بين يديهº فعلى سبيل المثال لا الحصر من يتعاطى الشأن الفكري والفلسفي والنقدي تجده يمارس استعراضية ومظهرية جوفاءº لا تسمن من وعي ولا تغني من معرفةº يظهر بلبوس فلسفي وفكري وهو لا يعترف بقيمة الآخرينº بل إنه يسفّه من آرائهم وقدراتهم وقيمتهم الفكرية والفلسفيةº في حين أن الفلسفة في أبسط تعاريفها ومداراتها لا تقبل بالإقصاء ولا بالوثوقية ولا تتسّق مع الغرور المعرفي اليقيني الواثقº إنها تساؤل مستمر وبحث دائم عن الحقيقةº لا تتعالى ولا تركن للإجابات الجاهزة المعلّبة. ما يعني أنّ أي إقصائية للآخر هي نسف وتدمير لأهداف ومرامي الفلسفة.
في لقاء فلسفي عميق أجرته منصّة معنىº وهي من المنصات التي تنهض بدور فكري لافتº لقاء مع الباحث والمفكّر والمترجم المغربي المتميز عبدالسلام بنعبدالعاليº وضع إشارات فلسفية وفكرية وومضات غاية في العمق والأهمية حول الترجمة والفلسفة شدد فيها على ضرورة النأي عن الفكر الدوغمائي الذي لا ينفتح على الآخر ولا يقبل به واصفاً الفلسفة بالفكر النقدي المتعدد والمنفتحº ويرى أن ما ينبغي على الفلسفة أن تقوم به هو أن لا تخاف من التشعُّب والاختلافº فالتشعب حرّيّة لافتاً إلى أن الفكر الرائج في أيامنا هذه الفكر المتخشّب الذي يتصلّب ويتخشّب إلى حد أن يكون قوّة مادية عنيفة تفضي إلى عنف ماديº ويواصل حديثه في عدة نقاط ليختمها بتحذير من اليقينية والبداهة والتي يصفها الفيلسوف الفرنسي رولان بارت بقوله: "البداهة عُنف"º معتبراً أن الفكر حفر وتفكيك وتقويض وأن البحث والتقصّي شجاعة تحرّر من البداهة كقوة متسلطة وكعنف مادي ورمزيº أي أن الفكرة المتصلبة تتخشّب إلى أن تصبح عنفاً رمزياً ضد المتلقّي وضد صاحبه.
وعن العنف المادي والرمزي الذي تشهده ساحات التواصل الاجتماعيº هذا العنف الذي أفضت إليه حالة التوهّم لدى البعض ممن لا يقبل بآراء الآخرين ظنّاً منه أنه الوحيد القابض على الحقيقة والمعرفة وأنه المرجعية في التعاطي في أي شأن سواء أكان فكريا أو ثقافيا أو فنيا أو سواه. عن كل هذا يبسط لنا وبمقاربة عميقة كتاب "الفيسبوك والفلسفة.. بم تفكّر¿" للكاتب دي إي وتركوور¡ قام بترجمته وتقديمه ربيع وهبة يبسط لنا هشاشة من نقابلهم في هذه المنصة¡ حيث لا نرى أشخاصاً يتمتّعون برصانة أو عمق تفكير يشكّلون مجتمعاً إلكترونياً يتمتّع بحسن المعاشرة¡ بل نرى أشخاصاً مشتّتين من التشتت نفسه وبالمشتتات المختلفة¡ كما نرى كثيراً من التهافت أو الهرولة على السطح¡ تعليقاً على اللحظة العابرة متناسين إياها بمجرد دفعها إلى أسفل الشاشة بفعل ظهور التحديثات الجديدة التي لا تنتهي.
http://www.alriyadh.com/1818517]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]
