http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png "عالم من المساجد" يحاول أن يصور ثقافات العالم داخل هذا الفضاء الروحاني المولد للحياة، ويؤكد على أنه من المسجد كانت تولد الحياة الاجتماعية، فمن مسجد الرسول وحتى مساجد حاراتنا القديمة تشكلت مجالات الحياة الحضرية..
. تستعيد ذاكرتي رمضان وعلاقة هذا الشهر الكريم بالمسجد، المكان الأول الذي كنا نحتفل فيه بليالي رمضان في الماضي البعيد قبل أن تتباعد البيوت وتختفي خلف الجدران العالية، في تلك الرمضانات كان فضاء المسجد هو مجال الحياة، مجال اللقاء والنشاطات والحكايات، تختلط الصلاة بتفاصيل الحياة حتى إنه يصعب التفريق بينهما، رمضان في تلك الأيام كان يمثل مدرسة الثلاثين يوماً، كما قال الرافعي، لكن هل مازال ذلك الإحساس موجوداً في أيامنا هذه التي يهيمن عليها الترفيه أكثر من أي شيء آخر؟ واحد في مثل سني لا يمكن أن يجيب على مثل هذا السؤال، فقد تغير كل شيء، ومن كانت اللقاءات الاجتماعية تمثل له كل شيء في ليالي رمضان الشتوية الطويلة، ويتلهف للقاء الأصدقاء عند كل صلاة، لم يعد الأمر كما هو عليه بالنسبة لأبنائه، فقد تفكك ذلك الرابط، وأصبح البيت هو محور الحياة بدلاً من المسجد، رمضان الذي كنت أعرفه في الطفولة لم يعد موجوداً، وعلي أن أتقبل هذه الحقيقة.
خلال السنوات الأخيرة كنت أبحث عن تلك الروح التي فقدت، وكنت أسعى إلى أن أشاهد تلك البساطة وتلك العفوية التي كنت أعيشها في الأيام الغابرة ولم أعد أراها بعد ذلك، صرت أبحث عن "المسجد" الرمز الاجتماعي والمعماري الذي يستعيد تلك الثقافة الرمضانية المفعمة بالحياة. وفي الحقيقة مررت بالعديد من المساجد حول العالم، ووجدت أنها تضج بالعمارة وقليل منها يضج بالحياة، هذه الظاهرة المتنامية التي تبدو لي نوعاً من تمكن المادية من المجتمعات حتى البسيطة والفقيرة تبعث على الدهشة؛ لأن آخر الروابط التي تربط الإنسان بمجاله الاجتماعي والروحاني هي دور العبادة والمسجد يأتي على رأسها.
فهل نحن في عصر يحاصر هذه الرابطة ويخنقها ويدفع بها خارج الحياة؟ وهل مازال هناك قلاع تقاوم هذا الحصار؟ كل هذه الأسئلة تدافعت في ذهني خلال الأيام الأولى من رمضان عندما وجدت نفسي محاصراً داخل منزلي أذهب للمسجد وأعود بسرعة، مازلت أعزو هذا للجائحة التي فرقتنا، لكن الأمر في حقيقته أكبر من ذلك، إنه تقلص حاد لدور المسجد في الحياة اليومية الاجتماعية وهنا يكمن الخطر، هذا يعني اختلال الميزان العمراني/ الاجتماعي، فأنا أعدّ المسجد أحد المحركات العمرانية التي تضفي على الفضاء الحضري توازناً اجتماعياً وسلوكياً، وتدفع بمفهوم أنسنة المدينة للمقدمة من خلال حركة المشاة والمصادفة الاجتماعية وبناء الروابط بين المكان ومستخدميه، وتراجع هذا الدور يعني صعود خلل عمراني جديد داخل مدننا.
هذا العام قررنا في جائزة عبداللطيف الفوزان لعمارة المساجد أن نخوض تجربة رمضانية مختلفة من خلال تطوير برنامج تعليمي حول عمارة المسجد، أطلقنا عليه مسمى "عالم من المساجد"، يتضمن 30 فكرة معمارية تتحدث عن 30 مسجد في 30 مكان مختلف في العالم. الهدف من البرنامج هو التأكيد على أن المسجد يشكل ثقافة كونية عابرة للثقافات المحلية، وأنه كمبنى يعكس الروح المحلية ويحتضن الثقافة الاجتماعية السائدة ويعبر عنها، وحاولنا في كل حلقة أن نتحدث عن العمارة كونها الجزء المشاهد من هذه الثقافة وقمنا بتفسيرها من خلال النشاطات الاجتماعية والثقافية التي عادة ما تدور في فضاء المسجد، واكتشفنا -وهو ليس اكتشافاً حقيقياً- أن المجتمعات الإسلامية التي تعيش في الدول غير الإسلامية تشعر بالترابط أكثر في حال وجود مسجد يجمعهم، وقد تطور هذا الإحساس إلى برنامج عمراني حول المساجد إلى مراكز اجتماعية وترفيهية تجمع تلك الجاليات وتخلق مجالهم الثقافي والاجتماعي بشكل لافت.
"عالم من المساجد" يحاول أن يصور ثقافات العالم داخل هذا الفضاء الروحاني المولد للحياة، ويؤكد على أنه من المسجد كانت تولد الحياة الاجتماعية، فمن مسجد الرسول وحتى مساجد حاراتنا القديمة تشكلت مجالات الحياة الحضرية، وأصبح هذا المكان هو الملتقى ليصنع فرص سرد الحكايات، ويخلق مجال الترفيه، كل تلك المناشط كانت تبدأ وتنتهي حول المسجد، يبدو أن المسلمين المغتربين اكتشفوا هذه القيمة الكبيرة التي يتميز بها المسجد والطاقة الثقافية الكامنة التي يختزنها، فطوّروا عمارة مساجدهم كي تكون أيقونات حضرية تساهم في خلق مجالات للهوية الاجتماعية المفقودة في تلك البيئات، والأهم من ذلك فهموا أنه لا يوجد مكان مثل المسجد رابطاً للأعراق والثقافات المختلفة التي أتى منها هؤلاء المغتربون، فكما أن المسجد عابر للثقافات هو كذلك موحد لتلك الثقافات وجامع بينها.
http://www.alriyadh.com/1880942]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]
