-
من ذكرى حبيب ومنزل
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png في إصدارها القيّم "بيوت كُتَّابي من أراغون إلى زولا" للكاتبة الفرنسية إيفلين بلوك دانو الصادر عن منشورات "Sock" نفهم جيداً ما تقصده بقولها إن غرفة الكتابة بالنسبة لأي كاتب "هي القلب النابض للبيت" فهو المكان الذي تسكنه أسرار كثيرة وقوة ملهمة لأي كاتب بحيث تجعله يجد أفكاره ويجمعها لتصبح كتاباً، إنها مشْغلُه، وورشته، وفضاؤه الذي لا يحتمل أن يقتحمه أحد إلا إن سمح هو بذلك.
في كتاب آخر للكاتبة فرنشيسكا بريمولي درولرس يحمل عنوان "أين كانوا يكتبون: بيوت الكتاب والأدباء في العالم، ترجمة وتحقيق رجاء ملاح وشاكر نوري، إصدار ثقافة للنشر والتوزيع ودائرة الثقافة والسياحة أبوظبي، تطرح الكاتبة السؤال التالي: "هل الكاتب من يصنع البيت أم البيت يصنع الكاتب؟"
وفي رحلة ساحرة بين نصوص الكاتبة التي ترافقها صور إريكا لونار، لا يمكننا سوى الاستسلام لقوة تفاصيل الكتاب بالإقلاع بنا إلى أزمان وأمكنة تنبض بالجمال وتكشف أهمية الأدب والشعر في بناء الحضارات العظيمة.
لقد شكّلت بيوت الأدباء دائماً مواضع جذب للسياح الثقافيين، المفتونين بالأدب، ذلك أن القارئ بعد رحلة اكتشافه لأدب كاتبه المفضل، تستيقظ في داخله رغبة في اكتشاف عالمه. في الغرب تفرد صحف وبرامج ثقافية كثيرة مساحة كبيرة للحديث عن عوالم الأدباء، بحيث تكتسب بعض الأماكن سمعة جيدة بسبب من عاش فيها. حتى إنّها تتحوّل مع الزمن إلى قبلة لمن لا علاقة لهم بالأدب لا من بعيد ولا من قريب، بل حباً في اكتشاف روح المكان وجمالياته.
حُججنا وتبريراتنا لإهمالنا لبيوت أدبائنا وما تحويه من مخطوطات، ورسائل، وتحف أحياناً إن وجدت، أقبح من الذنب نفسه، ولعلّ ذكر تلك الحجج يكشف مدى جهلنا لقوة الثقافة لحمايتنا من التفتت والاندثار، ولتبييض سمعتنا كشعوب خاصمت على مدى قرون العلوم بكل أنواعها حتى بلغت انتكاستها الكبرى اليوم حين لم تعد لغتنا تعني الأجيال الجديدة.
تقف منازل الأدباء شواهد على تاريخهم، لكن بشكل أكثر حميمية مما تقدمه كتب البيوغرافيا. في شقّة ألبرتو مورافيا (1907-1990) على سبيل المثال، وهي محفوظة كما هي مع أثاثه ولوحاته وكتبه، انتقل إليها العام 1963، حيث كتب روائعه على آلة كاتبة طراز Olivetti 82 في مكتبه المطلّ على نهر التيبر. ولأنّه صال وجال في أرجاء هذا العالم الفسيح يحوي بيته أشياء وأقنعة تقليدية من إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية اقتناها خلال أسفاره، وأكثر من 15000 كتاب ورسائل جد ثمينة. بيته تبرع به ورثته لبلدية روما العام 2009 مع إشرافهم على إدارته باسم جمعية تحمل اسمه.
كلما فقدنا أديباً ماتت لغتنا قليلاً، كلما ماتت ذكراه زحف الموت أكثر عليها، وكلما تحوّل منزله إلى طلل أسلمت روحها ودخلت قبرها. يستحيل أن نحظى باحترام لغتنا ونحن لا نحترم من يكتب بها.
http://www.alriyadh.com/1933396]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]