http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png حين طلب المنقور تمديد البعثة لطالب على وشك إنهاء مرحلة الدكتوراه رفض المسؤول في الوزارة التي يعمل بها الطالب، وأمر بقطع البعثة والعودة للمملكة، فما كان منه إلا أن احتفظ بهذا الرد وطلب من الطالب إكمال دراسته التي لم يبقَ عليها إلا أشهر قليلة، ليعود للمملكة حاملاً شهادة الدكتوراه..
أخذ من الصحراء الصبر وسعة الأفق، ومن نخيل بلاده شموخها، تربى على الوفاء والإخلاص والكرم من أسرة كريمة ووفية. رغم أنه لا يحمل سوى شهادة السادسة الابتدائية، إلا أن سيرته وقيادته تؤهلانه للتخرج من أرقى الجامعات، أصبح واحداً من أنجح رجالات الدولة في المملكة، ذلك أنه أحب عمله فأعطاه كل ما يستحق من وقت وجهد. أحبه كل من عمل أو تعامل معه. عمل بإخلاص فأثمر عن نجاح باهر وأداء مميز. ذلك هو الملحق الثقافي عبدالعزيز محمد المنقور -رحمه الله-. لم ألتقِ به، لكنني سمعت عنه الكثير، قرأت عنه ما كتبه وتحدث به طلبته من أمراء ووزراء وأساتذة. وليس هؤلاء فقط، لكن سمعت الثناء عليه من كل من تعامل معه في مختلف المناصب، وحتى بعد تقاعده عن العمل، في المقبرة سألت عن سبب وجود أحد الإخوة من مصر، أجاب: الأستاذ عبدالعزيز هو أحد زبائني في محل بيع سماعات الأذن، وهو أفضلهم على الإطلاق، حين يأتي يملأ المكان مرحاً وفرحاً ولمسات إنسانية.
أسهم في نجاح الأستاذ عبدالعزيز في أداء رسالته تجرده من المناطقية والمذهبية والتعصب أو الغلو أو التفريط. فقد كان أباً وأخاً للجميع، كان صديقاً للطلبة لا وصياً عليهم، تحلى بالشجاعة والكرم وحسن الإدارة، لديه القدرة والمرونة على اتخاذ القرار بشجاعة وسرعة، وبما يكون في مصلحة الطالب.
عرفته الجامعات وبيوت الطلبة والمحاكم ومقرات الشرطة والمطارات وصالات السفر. تنقل من ولاية إلى ولاية ومن جامعة إلى أخرى. تواجد في كل مكان يوجد فيه طلبة.
دروس كثيرة تستنبط من سيرة هذا الرجل، سيرة يجب أن تدرّس وتعطى لكل مسؤول يرغب في النجاح ووضع اسمه في سجلّ الخالدين من أبناء الوطن، من أهم تلك الصفات:
أولاً. معرفة المهمة التي من أجلها وجد المسؤول، وهذه الإدارة التي يعمل بها، ثم التركيز عليها وإعطائها كل ما يسهم في نجاحها، فالمنقور علم أنه جاء من أجل خدمة الطلبة ومساعدتهم، وهذا يحتم أن يتواجد حيث يتواجدون. كان من الممكن أن يبقى في مكتبه الوثير في العاصمة واشنطن ويستقبل التقارير والشكاوى من خلال القنوات المتوفرة. لكن ذلك لن يكون سوى معلومات شحيحة، وقد تكون متأخرة، أما تواجده مع الطلبة فيعني التوجيه والإرشاد والتدخل في الوقت المناسب، والإطلاع على أحوال الطلبة وما يواجههم من صعوبات. لقد أثبتت السير الذاتية لأفضل القادة على مستوى العالم أنه لا غنى عن التواجد في الميدان، والقائد الناجح تراه دائماً في المقدمة يشرف ويشجع، ويطلع على الأمور عن كثب.
ثانيا. الشجاعة من أهم صفات القائد، فالقائد مطالب باتخاذ القرارت الصعبة وتحمل نتائجها. قد يفقد مركزه لكنه لن يخل بأمانته أو يتراجع أمام قرار يراه صائباً، فحين طلب المنقور تمديد البعثة لطالب على وشك إنهاء مرحلة الدكتوراه رفض المسؤول في الوزارة التي يعمل بها الطالب، وأمر بقطع البعثة والعودة للمملكة، فما كان منه إلا أن احتفظ بهذا الرد وطلب من الطالب إكمال دراسته التي لم يبقَ عليها إلا أشهر قليلة، ليعود للمملكة حاملاً شهادة الدكتوراه.
ثالثاً. الكرم من الصفات النبيلة، وقد تحلى أبو محمد -رحمه الله- بوافر من الكرم رغم أنه لا يملك مصدراً آخر غير مرتبه الشهري، حيث استقبل في منزله الصغير الكثير من الطلبة الذين يأتون إلى العاصمة لأول مرة. كما كان يدفع من جيبه للحالات المستعجلة كإجراء العمليات الجراحية، أو الكفالة لدى دوائر الشرطة، رغم أنه غير متأكد من أنها ستصرف له لاحقاً. الكرم من غير تبذير يغطي على الكثير من العيوب التي لا يخلو منها أحد.
رابعاً. الأمانة. لقد ترك الأستاذ عبدالعزيز سجلاً ناصعاً في كل مكان عمل به، فلم تغره المادة ولا المنصب للحصول على ما ليس له. المال والجنس من أكثر ما يهز أمانة الرجال ويوقعهم في مهاوي الردى، لكن المنقور عرف ذلك مبكراً، ورضع الأمانة مع حليب أمه، فكان مثالاً يحتذى في العفة والزهد في ما ليس له.
صفات كثيرة ومعروفة يتحلى بها كل من ترك ذكراً حسناً في حياته ومماته. فالمنقور وغيره من أمثال السفير محمد الحمد الشبيلي، وأبو طلال الشبيلي، ونجيب الزامل والدكتور غازي القصيبي وغيرهم ظل الناس يتحدثون عنهم في المجالس وفي الصحف والملتقيات فتره طويلة، وأصبحت أسماؤهم محفورة في ذاكرة الوطن يتغنى بها الأبناء والأحفاد والأقارب والأصدقاء.
http://www.alriyadh.com/1943624]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]