http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png عرفنا مصر منذ الطفولة قبل أن نزورها من خلال الفن السينمائي والتلفزيوني، وأحببناها وأهلها منها، وتجاوزنا من يقومون بأدوار شريرة فهم في كل مكان، ولهذا ظلت مصر في عقولنا مترجمة عبر صورة الإنسان الطيب المحب خفيف الظل..
لمصر مكانة خاصة في قلوب كثير من الناس على اختلاف جنسياتهم ومستوياتهم الاجتماعية والفكرية، لها سحرها الخاص بكل مدنها وسواحلها وريفها، التي يعرفها الناس ويعرفون أدق تفاصيلها في المكان وفي حكايات الناس. ليس لأنها مصر الحضارة والثقافة والفكر والفنون التي نعرفها جيداً بل لأنها مصر بأهلها قبل أي شيء، فمثلهم كباقي خلق الله لهم طابعهم العام ولهم طوابعهم الخاصة والفردية، ولعل أبرز صفاتهم العامة هو روح النكتة وخفة الدم التي لا تغيب في أحاديثهم الجادة والساخرة وفي أي وقت وزمان ومكان، فهي جزء من تركيبتهم الشخصية، قالت الفنانة سماح أنور: إن المصري أكبر كوميديان في العالم. هذه حقيقة لا يختلف عليها، فأينما كنت في مصر ستدهشك النكتة التي تولد في أي حوار بينك وبين المصري في الشارع، والمكتبة، والمطعم، والتاكسي، والشارع، ستمشي وتلتقط أذنك النكات من أي حوار تسمعه دون قصد بين اثنين يجلسان أو يقفان بالقرب منك.
الشارع المصري في الأحياء الراقية أو الأحياء الشعبية هو حياة كاملة تراها أمامك وتنغمس فيها بدهشة ومحبة. ابتسامات الباعة البسطاء وظرفهم ولطفهم، بائع الذرة أو بائعة الورد وغيرهم يتحفونك بحوار مشبع بالروح المصرية الواضحة، والتي تجعلك تعرف مباشرة صدق المتحدث من كذبه، وتعرف المهذب من الفهلوي، ولكنهم جميعاً يشتركون بأنهم يملكون نفوساً ممتلئة بالحب واللطف والسماحة والشهامة.
في فقرائهم ترى الرضا والقناعة التي لا مثيل لهما، وفي المتوسط منهم ترى الطيبة والرغبة بالمساعدة بما يملك، وعند الأثرياء منهم ترى مزيجاً من هذا وذاك.
عرفنا مصر منذ الطفولة قبل أن نزورها من خلال الفن السينمائي والتلفزيوني، وأحببناها وأهلها منها، وتجاوزنا من يقومون بأدوار شريرة فهم في كل مكان، ولهذا ظلت مصر في عقولنا مترجمة عبر صورة الإنسان الطيب المحب خفيف الظل.
سمعت قبل أيام أغنية (هتعدي) المؤداة خصيصاً لدعم الأطفال المرضى بالسرطان، كلماتها تقول كثيراً مما لا تقوله الكلمات العادية، لأنها مدعومة بالحب الذي يضخ القوة النفسية في قلوب وعقول الصغار، وتمنحهم الأمل على طبق موسيقي جميل.
هتعدي
بس أنت تاخدها
تحدي وتقف وتقول مين قدي
أنا جامد ومبيأسش
لأ صدق... حلمك بكرة هيتحقق
وان قابلك خوف قوم برأ
قوله أنا واقف مبخافش
هنا جنبكو ناس ساندينكم
واخدين بالهم اوي منكم
هتعدوا الصعب ويخلص.
وتشوفوا الفرحة بعينكم
ربنا عمره ما يسيبنا
هتفضفضله ونحكيله.
قادر يشفي الللي تاعبنا
نرفع ايدنا وندعيله
هتعدي
وأحسب أن إيمان وثقة الإنسان المصري بربه واضحة جداً في هذه الكلمات كما هي واضحة كطابع عام عند المصريين. وتدهشني حقاً طبيعة اتصالهم بالله بطريقة إيمانية قد لا نراها في غيرهم بما فيها من بساطة وعمق، وهذا النوع من الشعر الغنائي أو غيره من الشعر الإنساني يبدو وكأن له عيناً لا تنضب في مصر، عرفنا منه الكبار: سيد درويش وبديع خيري وصلاح جاهين وعبدالرحمن الأبنودي وغيرهم، ومن أشهرها ذيوعاً:
الحلوة دي قامت تعجن في البدرية
والديك بيــدَّن كوكو كوكو في الفجـرية
يلا بنا على باب الله يا صـنايعية، يجعل صباحك صباح الخير ياسطى عطيـة
طلـع النهار فتــاح يا عليــم
والجيـب ما فهشي ولا مليــم
مين في اليومين دول شاف تلطيـم زي
الصـنايعية المظاليـم
الصبر أمره طـال
وش بعد وقف الحال، ياللى معاك المال
برضه الفقير له رب كريم
وعرفنا سيد حجاب الذي كتب أروع المقدمات الغنائية لبعض المسلسلات التلفزيونية، حتى سمي بشاعر الدراما المصرية، ومن أجمل ما كتب مقدمة ونهاية مسلسل أرابيسك:
ويرفرف العمر الجميل الحنون
ويفر، ويفرفر في رفة قانون
وندور، نلف ما بين حقيقة وظنون
وبين آسى هفاف وهفة جنون
ويرفرف العمر الجميل الحنون
دنياك سكك، حافظ علي مسلكك
وامسك في نفسك لا العلل تمسكك
وتقع ف خية تملكك، تهلكك
أهلك، يا تهلك دا انت بالناس تكون
ويرفرف العمر الجميل الحنون
وهو الذي كتب أيضاً مقدمة مسلسل المال والبنون:
قالو زمان دنيا دنيه وغروره
وقلنا واللى تغره تخسر مصيره
قالوا الشيطان قادر وله الف صوره
قلنا ما يقدر ع اللى خيره لغيره
ايه معنى دنيتنا وغايه حياتنا
اذا بعنا فطرتنا البريئه الرقيقه
وازاى نبص لروحنا جوه مرايتنا
اذا احنا عشنا هربانين م الحقيقه
المال تجيبه الريح وتاخده الهوايل
اما البنون يوم الحساب بيفتونا
كم هو جميل هذا الشعر الذي يكتب الإنسان في كل حالاته ولا يتوقف عند حكايا العشق والغزل التي أفنى فيها كثير من الشعراء أحبارهم. إن النجاح الذي تلاقيه هذه النوعية من الكلمات هو أكبر شاهد على قربها من الإنسان منكسراً ومنتصراً حزيناً أو فرحاً وهذا ما يميز الشعر الشعبي في مصر عن باقي الدول العربية.
ومن أجمل ما قاله صلاح جاهين عن مصر:
أنا مصر عندي أحب وأجمل الأشياء
باحبها وهي مالكه الأرض شرق وغرب
وباحبها وهي مرميه جريحة حرب
باحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء
واكرهها وألعن أبوها بعشق زي الداء
واسيبها واطفش في درب وتبقى هي ف درب
وتلتفت تلقيني جنبها في الكرب
والنبض ينفض عروقي بألف نغمة وضرب
هذه مصر، وهذا المصري.
http://www.alriyadh.com/1948972]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]
