هولندا.. الإنسان وليس المكان
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png وجدتُ أنّ أهم أسباب تقدم هولندا هو الإنسان، حيث تهتم الدولة بتربية الأطفال ورعايتهم من قبل والديهم، وتعطي الأم أو الأب تفرغاً للعناية بالمولود وبراتب كامل حتى تضمن التنشئة الجيدة..
أجمل الرحلات والسياحة حول العالم هي التي تجمع بين المتعة والفائدة، بين الراحة والتعب، بين الجد واللعب، فلا يستمتع الشخص بالراحة إلا بعد التعب، ولا يُعرف تقدم الأمم من مبانيها وطرقاتها، ولكن من القدرة على تنشئة أبنائها، وكيف تتعامل مع الإنسان مهما كان دوره أو منصبه، في الجيش البريطاني يعطى من يقضي إجازته السنوية في مكان يمارس فيه مغامرات مدروسة تذكرة طيران لتلك المنطقة مرة كل عامين، قد تكون رحلة إلى الصحراء العربية وركوب الإبل، وقد تكون ممارسة الغوص على شواطئ البحر، أو التزلج أو صعود الجبال وغير ذلك من الممارسات التي تزرع الثقة وتكسب اللياقة.
قبل أيام شاركت في رحلة إلى هولندا للاطلاع على أحدث الممارسات لرعاية ذوي الإعاقة من مختلف الأعمار، سواء في الرعاية النهارية أو الإيواء، قامت بتنظيمها سيدة مهتمة بالإعاقة ومأوى كبار السن، سجلت في الرحلة ودفعت تكاليفها من تذاكر وسكن وتنقلات وزيارات للمراكز، وكم سررت بتلك الزيارة والصحبة الجميلة، ولدي عزم أكيد على تكرارها في دول أخرى، من أجمل ما في الرحلة ذلك التنوع بين خبرات وأعمار المشاركين من رجال ونساء، ساد المرح والتقدير والاحترام والفائدة كل أيام الرحلة التي امتدت لستة أيام، زرنا خلالها مراكز للرعاية النهارية والإيواء، ومركز رياضي لإعداد اللاعبين للألعاب الأولمبية ومنهم ذوي الإعاقة. إضافة إلى أمسية جميلة في منزل سفير المملكة لدى هولندا زياد العطية، حيث تكرم بدعوة الوفد وإكرامه وتشجيعه على مثل هذه الزيارات، وقد ترك السفير انطباعاً إيجابياً لدى الجميع لما يتمتع به من ثقافة عالية، وما زودهم به من معلومات عن هولندا وأسباب قوتها الاقتصادية والسياسية على مستوى العالم، وقد خرجت بانطباعات كثيرة عن تلك الزيارة من أهمها:
أولاً: الاهتمام البالغ الذي توليه حكومة هولندا لذوي الإعاقة حيث تنتشر مراكز الرعاية النهارية والإيواء في كل مدينة وقرية، ويصرف على كل معوق ما بين 80 ألف إلى 300 ألف يورو سنوياً حسب نوع الإعاقة ومدة الإقامة، ويتوافر في كل المراكز ألعاب رياضية وفكرية تتناسب ونوع الإعاقة وخاصة طيف التوحد، كما تزود ببرك السباحة التي يعشقها أطفال الطيف التوحدي، وبعض تلك المراكز توجد في مزارع يتوفر فيها ركوب الخيل والأجواء المريحة. كما يحرص الأهالي في هولندا على التعاون والتواصل المستمر مع تلك المراكز، ويسهمون في القيام ببعض الأعمال التي تتطلبها المراكز من نجارة أو تقليم أشجار وغيرها، والهدف هو المشاركة وليس العمل بحد ذاته.
ثانياً: خرجت من زيارتي لهولندا وما تحدث به السفير إلى معرفة سبب تقدمها على جميع الصعد رغم صغر المساحة وقلة المصادر، فرغم كل ذلك تعتبر الثانية على مستوى العالم في تصدير المواد الغذائية، متفوقة على دول كثيرة تفوقها مئات الأضعاف في المساحة وعدد السكان، كما أن الدخل القومي يقترب من الترليون دولار، أي ثلاثة أضعاف الدخل القومي لدولة كبيرة مثل إيران رغم الفارق الكبير بين هذه وتلك. وجدت أن أهم أسباب تقدمها هو الإنسان حيث تهتم الدولة بتربية الأطفال ورعايتهم من قبل والديهم، وتعطي الأم أو الأب تفرغاً للعناية بالمولود وبراتب كامل حتى تضمن التنشئة الجيدة، كما أن الدراسة إلزامية من سنّ أربع سنوات وحتى السادسة عشرة، كما يطلب من كل طفل تجاوز الرابعة عشرة من عمره أن يشارك بعمل جزئي يناسب سنه، وفي مكان آمن، وهذا يعود الطفل على حب العمل واحترام الوقت وتقدير المال، العمل الجزئي أثناء الدراسة من أهم وسائل التدريب والتهيئة لسوق العمل.
ثالثاً: تغييرات جوهرية إيجابية أشاهدها في زياراتي للمسؤولين داخل المملكة وخارجها، وما ذلك إلا بسبب توجيهات القيادة وحرصها على القرب من المواطنين وتقديم الخدمة لهم، ذلك أن المهمة الأولى لكل مسؤول هي خدمة المواطن أينما كان، وهذا ما وجدناه من سفير المملكة في هولندا.
رابعاً: تنظيم الزيارات لمنشآت ومدارس وجامعات ومصانع الدول المتقدمة مهم جداً سواء على مستوى القطاع العام أو الخاص أو القطاع الثالث غير الربحي، يجب أن نغير مفهوم السياحة من التسكع بين المقاهي والأسواق إلى أماكن ممارسة الرياضة والسياحة البيئية والزيارات التي تركز على هدف محدد، على أن يتخللها أيام من الراحة والمرح.
بعد هذه التجربة وما سبقها من زيارات هادفة سواء تعليمية أو رياضية قررت أن تكون معظم أنشطتي السياحية ذات هدف، وهو ما يجمع بين المعرفة والمتعة والفائدة.
http://www.alriyadh.com/1972277]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]
