يد سميث الخفية

http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png بدخول علم الاجتماع في دراسة آليات تشكل النظريات العلمية، أصبحت لدينا أدوات جديدة نفهم من خلالها حركة المعرفة، وبالابتعاد عن المفهوم المثالي للمجتمع العلمي، يتبين لنا سريعا أنه لا يعمل في معزل عن التأثيرات الاجتماعية الاقتصادية التي نمت من خلال المؤسسات العامة والخاصة. وإذا نظرنا إلى النموذج الذي يفسر حركة المعرفة كما في نظرية الثورات العلمية وجدناها تنطبق على العلوم الطبيعية أكثر من العلوم الإنسانية، فإذا كان الأمر كذلك، فكيف ننظر للمجالات التي تقع في المنتصف مثل الهندسة والطب؟
إذا نظرنا إلى العلوم الهندسية وجدنا أنها تقع في منطقة لقاء بين العلوم الطبيعية والإنسانية، تعتمد الهندسة على النظريات العلمية في الرياضيات والفيزياء والكيمياء، لكنها توظف هذه العلوم لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية، على سبيل المثال، نجد أمثلة في هندسة العمارة لالتقاء الجانب العلمي بالإنساني عندما تصبح الحاجة ملحة إلى الابتكار التقني لتنفيذ بعض التصاميم المعمارية المبتكرة، عندها يكون دور الهندسة التوفيق بين الرغبة في الإبداع بدافع اقتصادي واجتماعي والابتكار التقني لتحقيق متطلبات التنفيذ الخاضعة للقواعد العلمية الطبيعية.
في مجال التقنية والبرمجيات بالتحديد، نجد وجها آخر يلعب فيه الجانب الاقتصادي دورا فاعلا وهو حرية الابتكار ممثلا في البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر، قامت البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر على مبدأ التنازل عن حقوق الملكية للاستعانة بأكبر قدر من المبدعين للمساهمة في تطوير منتجات جديدة لا تهدف إلى الربح، فتح المجال أمام المبرمجين لتكوين مجتمعاتهم الخاصة نظير التنازل عن حقوق الملكية الفردية ونمو هذا القطاع يحيلنا إلى نموذج آدم سميث صاحب نظرية اليد الخفية.
كانت نظرية اليد الخفية لآدم سميث وراء الرأسمالية التي دفعت ببريطانيا وأوروبا كاملة في القرن الثامن عشر للدخول في عصر الثورة الصناعية، كانت أفكار آدم سميث وجهوده في إقناع الحكومة البريطانية بالتنازل عن القيود التي تضعها على الاستيراد والتجارة البينية سببا في انفتاح الاقتصاد البريطاني ونموه باعتماد وسائل تقنية جديدة أكثر إنتاجا وأقل تكلفة، كانت فكرة اليد الخفية تتلخص في إتاحة حرية الاختيار للأفراد بحثا عن مصالحهم دون خضوعهم لقيود تحد من حركتهم.
اليد الخفية التي أخرجت لنا حركة البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر، كانت نوعا من التخلص من سيطرة الشركات الكبرى التي تغلغلت فيها البيروقراطية فارضة قيودا على حرية الإبداع، فقد توجه المجتمع التقني إلى فك قيود الملكية الفكرية وتكوين مؤسسات مدنية، فكانت النتيجة فتح سوق جديدة تنافس بقوة بناء على إرادة جماعية لتحقيق حرية البحث والابتكار، وإذا كان لنا من مدخل إلى فهم الحركة المعرفية في المجالات الهندسية والتقنية فليس بوسعنا إلا النظر إلى النماذج الاجتماعية الاقتصادية مثل نموذج اليد الخفية باعتبارها معبرا عنها ومفسرا لها.




http://www.alriyadh.com/1983484]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]