-
اليــوم الأخـير!
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png يتزامن نشر هذا المقال مع اليوم الأخير من عام 2022.. عام ما بعد الجائحة على كل المستويات كما سيتناقل التاريخ ذلك، وكما تحب أن تسمّيه دوائر الأخبار في العالم، أو حتى عام المونديال كما يحبّ أن يسمّيه صديقي الذي يحيا معه اكتئاب ما بعد المونديال.. أما أهل الجائحة، فهم إما اقتصاديون كما هو شأن العالم كله اليوم، أو هم مثلي لم أزل تحت وطأة العزلة والميل إلى الفردانية، والنفور من زحام الشوارع، وأسئلة الوجوه.. لا بأس هي حال طبيعية سنتعافى منها تدريجا كما يفعل الاقتصاد العالمي في شتى مناحيه، وعن صديقي.. أثق أنه سيعود إلى متابعة فريقه المفضّل هنا ولو من باب مناكفة أقرانه مع تتابع أيام العام الجديد.. ثم ماذا؟ آخر يوم في العام.. أم أول يوم لعام آخر؟
هل تبدو إجابة السؤال هذا في متناول الكتابة؟!
سنقول هكذا: «ما آخر الأشياء إلا أول الأخرى» بمثل هذه الرؤيا ينتهي عام ويبدأ آخر، نهايات أحلام وبدايات أخرى، قفزات أيام وخيبات آمال، أصدقاء راحلون لا نزال نتعثر بأرقام هواتفنا التي لا يعنيها أمرنا حينما تنسدل بقائمتها بهم دون مراعاة لجراح قلوبنا، وعود تحقّقت وأخرى أخلفناها بعد أن تكبّبنا فيها، غد يتثاءب راكضا، وأمس يتأخر متعمّدا، هذا اليوم ثقيل ثقيل على من كان مثلي، يحلم طويلا ثم يدعو الأمس بكل ما تساقط منه كي يحيا حلمه معه، ثقيل على شاعر يأكل من خشاش البوح حنينًا ليصنع من حزنه أغنية، ويستشرف غده حلما ثم يتذكّر -تحت مواعظ الأمس- أنه قد يموت عنه، ثقيل على شاعر تنخر روحه الفقد سنوات طويلة، ثم لا يرى في عيون أبنائه إلا وجوب خلوده بينهم، هو يوم أخير تضاء فيه شوارع المدن المتوثّبة للحياة والمترمّلة بالموت معا.. يا لهذا اليوم متى ما أشرقت شمس غده علينا فقد نجونا من تعلّقه بتواريخنا، أيّا كان مسمّاه!
هذا اليوم الأخير هو المسافة المرتبكة والحائرة دائمًا بين ما مضى وما سيأتي، ليس علينا فيها إلا أن نواصل الركض نحو الشمس بعيدًا عن ملوحة البحر، وبمنأى عن وعورة الصحراء فليس بمقدورنا استعادة ما مضى كما أنه ليس علينا الحلم أكثر مما ينبغي بعد أن قوّست الأحداث والتجارب ظهر أيامنا.
لهذا نقف مع بداية كل عام أو حتى مع آخره حينما تلتصق البداية بالنهاية في لحظة مكتظّة بالظنون والعظات، نهنّئ أنفسنا ببلوغ عام جديد في ذمة الغيب في الوقت الذي نعلم يقينا أنه لن يكون حالما إلا بما قبله، فخطواتنا ركام مسافة وأيّامنا منا مهما تغرّبت فينا عنّا، كما أنه لا ينقص إلا بما قبله، هذا الفاصل الزمني الدقيق مأهول بكل شيء من أول الحسرة حتى آخر الحلم، نكاد نركض فيه دون اتجاه، نعود للوراء قليلا لنحصي خساراتنا، ونتشكل بمكاسبنا من جديد، أم نظل هكذا نقفز فوق غصون الآتي كعصفور تفرّق صوته بين الغناء والبكاء..!
وهذا اليوم الأخير من كل عام محمل دائمًا بما لا ندرك.. ثمة انفصام زمني يحدث في أعمارنا في مثل هذه الأيام لا نعرف فيه إلى أين نمضي ولا حتى من أين نجيء، وهذا الانفصام حتما ليس سوداوية عصر مثقل بالأحداث الموجعة، كما أنه ليس تفاؤلاً مفرطًا بما لا نعلم مهما كانت المؤشرات حالمة.. هو لحظة تفتقد اليقين إلا بما هو كائن لا بما كان أو ما سيكون...!
http://www.alriyadh.com/1990165]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]