-
المدير الذي لا يتغافل
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png في مقالته المنشورة بصحيفة الوطن البحرينية بعنوان: (التغافل الذكي)، يحكي أ. رائد البصري عن قصة حصلت مع أحد أصدقائه الذين ترقوا إلى منصب إداري وكان من ضمن الذين يعملون تحت إدارته شاب نشيط ومنجز إلى حد كبير يستطيع إنهاء المهام الموكلة إليه بدقة وسرعة وذكاء ويحقق المستهدفات المطلوبة منه بنسب عالية، لكن كانت هنالك مشكلة مع ذلك الشاب تتمثل في أنه لعوب يغادر مقر العمل دون استئذان ويقدم طلبات إجازات واستئذانات أكثر من بقية الموظفين، وجاء اليوم الذي تقدم فيه الموظف بطلب إجازة ليسافر مع أصدقائه في رحلة ترفيهية، ولكن صاحبنا المدير رفض الإجازة، ومع هذا الرفض قرر الموظف الشاب أن يتقدم بإجازة مرضية واتصل على المكتب ليعتذر أن ظروفه الصحية لا تسمح له بالحضور، وهنا تحرك المدير إلى بيت الشاب من الصباح وانتظره أمام باب بيته ليقابله وهو مبتهج متحمس يحمل عدة السفر.. وتفاجأ الموظف الشاب بمديره أمامه ووقع في إحراج شديد بعد أن افتضح أمره ولسان حاله يقول: "ليت الأرض تنشق وتبلعني!".. وراح المدير يبين للموظف كم هو ذكي وأنه لا يستطيع أن يخدعه ويتلاعب عليه بمثل هذه الأكاذيب وخصم من راتبه يومين بسبب هذا الفعل، وبعد عدة أيام تقدم الموظف الشاب باستقالته من العمل. وبالنسبة للمدير فلم تكن تلك الاستقالة تحمل الخير له، حيث خسر جهود الموظف وأصبح من الصعب عليه أن يحقق المستهدفات العالية التي كانت إدارته تحققها من قبل.
وراح المدير يسائل نفسه عن ما الذي استفاده من التضييق الزائد على موظفه الشاب؟ ويرى أن التشديد المبالغ فيه والتضييق على الآخرين يقود إما لهروبهم إلى جهات أخرى وخسارة جهودهم أو تحويلهم إلى أعداء يحاربونك ويكيدون بك ويدعون عليك، وعليه فالتغافل مهم ومفيد جدا.
في الواقع، قد أختلف في وجهة نظري مع هذا المدير ومع ما حصل في القصة مع الموظف الشاب. فمع التسليم بأن التغافل مهم ففي وجهة نظري المتواضعة أن أكبر أخطاء المدير لم تكن ذهابه إلى بيت الشاب وفضحه والخصم من راتبه مما أدى إلى دفعه للاستقالة، بل هنالك مجموعة من الأخطاء التي أدت إلى هذه النتيجة وهي:
عدم بناء منظومة عمل مؤسسية تقوم على الفريق وليس أفراد. فمن المخاطر الكبرى أن يكون شخص واحد هو المنجز والمنتج، بل من المهم العمل على خطة تعاقب وتدريب الفريق وتطوير مهاراتهم لكيلا يـتأثر الإنجاز بغياب شخص واحد مهما بلغت قدراته.
التساهل مع إجازات واستئذانات الموظف من البداية قاده لهذا التصرف، ولو كان هنالك توجيه وإرشاد صحيح للموظف الشاب بين الترغيب والترهيب لما وصل الجميع لتلك النتيجة.
إهمال ثقافة المنظومة، فالتساهل الذي حصل مع ذلك الموظف في الخروج من دون عذر سيقود بقية الموظفين لنفس السلوك. والتغافل الزائد عن الحد ممكن أن يؤدي لنتائج عكسية إذا انعدمت الضوابط.
غياب المرونة والتغافل الذكي، فلو أن المدير وافق على طلب الإجازة الرسمي من البداية لما حصلت هذه القصة أساسا. ومع التسليم بأن هنالك تفاصيل قد تكون غائبة حول حساسية توقيت الإجازة وارتباط ذلك التوقيت بمشاريع مهمة، ولكن في نهاية الأمر فلا بد من الموازنة ولو كنت مكان ذلك المدير لوافقت مع وضع بعض الشروط لتسليم الأعمال المطلوبة قبل الإجازة وضرورة التنسيق المسبق بوقت كاف قبل التخطيط للإجازات القادمة.
في الواقع، هنالك بعد آخر مهم، ألا وهو التفكير بمصلحة ذلك الموظف الشاب. فلو كان المدير وضع نصب عينيه صناعة قائد للمستقبل لخصّص المزيد من الوقت والاهتمام لمتابعة ذلك الموظف ومعالجة جوانب الانضباط والذكاء الاجتماعي في الحياة المهنية. وكما يقول د. غازي القصيبي رحمه الله: "إن رغبتي في إتقان ما أقوم به من عمل لم تعنِ قط رغبتي في التفوق على أي إنسان آخر. كنت ولا أزال أرى العالم يتسع لكل الناجحين بالغا ما بلغ عددهم".
وباختصار، فشل كبير للمدير أن تهرب الكفاءات من إدارته، ولكن الفشل الأكبر هو أن يتغافل ويتجاهل نواحي القصور لديهم ولا يعالجها ولا يستثمر فيهم لأن نجاح القائد الحقيقي في أن يصنع قادة ناجحين يتفوقون عليه!
http://www.alriyadh.com/2004149]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]