-
اشتاقت لك العافية!
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png نؤمن أن لكل بلد ثقافة كلامية حوارية قد يرى أهل بلد آخر أنها مختلفة ولا تناسبهم.. لكن أحسب أن بلدان شاسعة المسافة ومتعددة التضاريس والأنشطة كما هي المملكة العربية السعودية قد أصبحت بلهجة واحدة ومفردات في نطقها متطابقة وسط تمازج إيجابي حقيقي أكاد أجزم أنه نادر الحدوث.. السعوديون يسيرون في مخارج الحروف والإرث الكلماتي بتلاقٍ كبير يندر أن تجده قياساً بما نشاهده عربياً، وبما أوجد لهجة سعودية خاصة اتّحدت فيها كل الكلمات من الشمال للجنوب ومن الشرق للغرب والوسط.
ومع الانصهار والتمازج.. يجد المتتبع للحوار اللفظي بين الأفراد في بلادنا أن هناك عبارات تتكرر كثيراً بهدف إضفاء المديح أو للمجاملة الطيبة، لكن كثيراً من هذه الكلمات ذات معنى حقيقي غير المقصود، ولم يستطع التعليم والارتقاء المعرفي وحتى الامتزاج انتزاع مثل هذه الكلمات.
فمثلاً حين تقول لصديق لم تره منذ زمن عبارة "اشتقت لك"، فمباشرة يرد بـ"اشتاقت لك العافية"، والمعنى الدارج هو استقرار العافية لديك، لكن المعنى اللفظي مخالف جداً لذلك، فمن تشتاق له العافية هو ذلك الذي لا يملكها، بمعنى آخر المريض.. وكان الأجدر أن يكون الدعاء بزيادة نسبة التعافي لديه أو باستمرار العافية، أو حتى بعودتها إليه إن كان يلاحظ أنه فقدها أو فقد جزءاً منها.
أيضاً كلمة دارجة وتكاد تسمعها في كل منزل وحين، وهي الدعاء بطول العمر، فكل من يصنع عملاً جيداً ندعو له بطول العمر، رغم أن هذا مخالف للحقيقة الكونية والإيمانية التي نعيشها، لأن كل مخلوق قد كتب على جبينه حين مولده سنين عمره وبأي أرض يموت، وعليه فإن الأجدر أن يصار إلى الدعاء بأن يبارك له الله في عمره، أو أن يسعده خلال هذا العمر.. والله سبحانه وتعالى لن يغير سننه وثوابته لأجل دعاء.. ما.
قد يبدو أن هاتين العبارتين من ضمن الأشهر، لكن نحن معنيون أيضاً بأمثال دارجة مستهلكة بكثرة لا تواكب الواقع الحياتي الحالي لبلادنا، ومن أهم هذه العبارات كتلك التي تقال للمتزوج حديثاً "منك المال ومنها العيال"، فمثل هذه الجملة قد حافظت على تلقائيتها دون تسطيح أو تبديل، رغم أن الواقع الحالي بات يخالف ذلك.
وإن كانت مسؤولية الرجل مستمرة إلا أن المال بات غير محدد الاتجاه سواء من طرف الرجل أو من طرف المرأة، في ظل أن الجزء الثاني من الجملة مستمر ولن يتبدل لأنه حق كوني وفسيولوجي منحه الله للمرأة.. أقول إن المال بات يهدد هذا الدعاء، لأن في الحياة البسيطة والمتواضعة الرجل هو الذي يعمل وينفق على زوجته وبقية أفراد أسرته، أما عن المرآة فهي ذات وضع مغاير في السابق، قليلاً ما نجد من تعمل خارج بيتها خاصة في منطقتنا الخليجية.
ولكن كيف حالها اليوم..؟! الآن تشارك الرجل في الكسب والتكسب، بل إن لها نصيباً من التجارة، ناهيك عن نبوغها وتفضيلها في مجالات عدة تعودت أن تكون فيها متفوقة، بمعنى أنها تملك المال بشكل مستقل عن الرجل، وبعد ذلك هل يليق أن نقول للزوج "منك المال ومنها العيال" أم نقول "منها المال والعيال"!
المهم في القول إن كثيراً من أمثالنا أو تعبيراتنا المستخدمة بكثرة لا نستطيع أن نستبدلها حتى لو قلب الزمان معناها رأساً على عقب، لأنها ظلت متماسكة، وعليه فلن يطالها التغيير ولن تقتلعها عوامل التعرية اللفظية الجديدة، أو حتى تلك التسطيحات القادمة إلينا عبر العولمة.
http://www.alriyadh.com/2023519]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]