هل الأقارب عقارب

http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png هذا المقال من وحي مقالة كتبها الصديق الأديب دكتور أحمد الهلالي منذ مدة لا أذكرها بالتحديد. وأنا أحاول ألا أعود إلى المقال حتى لا يتسرب شيء منه إلى ذاكرتي، وسأحاول أن أبتعد عن هذا المثل بالتحديد وأتحدث عن المثل بشكلٍ عام قبل أن أعود إليه مرة أخرى.
خلاصة مقال الدكتور الهلالي على ما أذكر تتلخص في معارضته هذه المقولة جملة وتفصيلاً، وأنا هنا أؤكد على ما قاله الهلالي، وأعيد فتح هذا الموضوع المزعج، فالمثل ليس مجرد كلمات تقال بل هو أحد محركات الشعور وترسيخ القناعات داخل المسلمات الاجتماعية.
فالمثل نوع أدبي راق يحمل خلاصة تجارب المجتمع، ويعكس مدى ترسخ تجربته في الحياة، ويختزل تجاربه المتنوعة في مقطوعاتٍ لغوية تتميز بالانسجام والاختصار بلغة محفزة تأكيدية بشكل ضمني أو صريح وفي داخله قوة مؤثرة على سامعه أو قارئه، ولذلك فإن تداول المثل يحتاج إلى تمحيص وتدقيق في مضامينه، وما يتبناه من أفكار وقناعات.
وفي الإرث العربي اهتم المؤلفون بالمثل ودونوه في كتبهم بشكلٍ عارض أو في مؤلف مستقل، ومن أهم الكتب في هذا الجانب كتاب «مجمع الأمثال للميداني» وعلى مستوى المثل المحلى يعتبر كتاب الأديب عبدالكريم الجهيمان أحد أهم الكتب التي جمعت الأمثال في قلب الجزيرة العربية، وقد جمع فيه ما يقارب العشرة آلاف مثل كما جاء في صفحة غلاف الكتاب المكون من عشرة أجزاء، وجاء المثل القائل «الأقارب عقارب» في جزئه الأول وفق الترتيب الأبجدي الذي سار عليه الكتاب.
وقد تكون مشكلة هذا المثل في لغته التعميمية، وليس في حقيقة محتواه التي لها أساسها الموثوق في كتاب الله العزيز في قوله تعالى: (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) [التغابن:14]، وهذا لا يتعارض مع مبدأ حق القرابة، ووجوبية وفضل صلة الرحم، وأهمية الارتباط بالأقارب ودورهم الأساسي والهام والمحوري في حياة الإنسان.
الأقارب ليسوا عقارب، وهم في نفس الوقت ليسوا ملائكة كما أننا نحن لسنا ملائكة معصومة، والصلة بين الأقارب وبذل المعاريف بينهم خلق نبوي والخلق النبوي خلق قرآني، والحياة كبد (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) [البلد:4]، فمواجهة الحياة والتعامل والتفاعل مع المجتمع بما فيهم الأقارب تحتاج للتوازن وعدم إصدار الأحكام العامة والمواقف الشاملة، وإنما تحتاج إلى ثقافة الحياة بما فيها من جمال وعناء، وإحسانٍ وإساءة.
والخلاصة التي يمكن أن نصل إليها هي أن التكافل الاجتماعي، وصلة الرحم، والترابط بين الأقارب ضرورات اجتماعية وأخلاقية وهي جزء من الوعي الديني الطبيعي، وأن الأقارب بشر يخطئون ويصيبون، وقد ينال الإنسان من أقاربه بعض الأذى ولكن الصبر على أذاهم خير من القطيعة، وإذا كانت القطيعة هي الحل الوحيد فلا تكون قطيعة رحم يتخلى فيها الإنسان عن حقوق أقاربه التي يستطيع أن يبذلها لهم، وهي ضمن قدرته واستطاعته، كما أنه في الجانب الآخر والمتعلق بالمثل وأهميته ومدى تأثيره فإن الثقافة العربية مليئة بالأمثال التي تضمنت خلاصة تجارب أمة عاشت حياة متعددة الأوجه ومختلفة التجارب، وهي نوع من أنواع الأدب الراقي في مجملة، ولكن محتواها يحتاج أن يُفهم وفق الوعي اللغوي الذي احتواها وهي اللغة العربية الفصحى أو الدارجة التي تتخذ من الأساليب العربية سبيلاً لإيصال الفكرة والمعنى، ومن هذه الأساليب أسلوب التعميم والذي لا يقصد به الشمول والتعميم في كل الأحوال.




http://www.alriyadh.com/2039123]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]