الْسّلاَمُ عليكُمُ وَرَحمَةُ اللّه وَبَرَكَاتُه
حين يحتضر القلب .. ويصل النبض للعد التنازلي ..
نسعى لأن نرى من نحب ونوصي من لهم مكان في قلبنا ..
فتدق أجراس النهاية .. معلنة الموت بداية أخرى لا يعلمها سوى الباري ..
وصيتي ..
من يجرؤ على كتابة وصيته في ريعان شبابه ¿¿
كتبتها وأنا أتجرع ألم غيابك .. وسم رحيلك ..
وكأني بهذا الجسد النحيل قد فاقه عذاب القلب .. والنفس .. والأنين ..
لي في محطات الحياة .. نزف وجراح وسكين ..
وفي كل محطة هي ذاتها السكين .. تطعن في قلبي وأنزف الحنين ..
لأول مرة في حياتي أنقش وصيتي بأدمعي .. حين أكتب خلجاتي وما أتنفسه من مشاعر وان كانت حزينة ..
لم أبكي يوما على أوراق دفاتري .. الا هنا .. بكيت ولا زالت أدمعي تنهمر .. لأنها وصيتي ..
ليس لأني سأرحل .. بل لأني ظلمت قلبا صغير .. وعقلا كبير .. لأني حطمت كبريائي بهوى نفسٍ دون يقين ..
أنا راحلة .. لكني مخلفة ورائي الكثير .. ذكريات عشق وجمال طفل بريء ..
همس البحر ورمال الشاطىء .. وحديث النوارس تحت المطر ..
مخلفة ورائي قلوب كانت تنبض في حضوري وتستلهم عشقها بألواني ..
مخلفة ورائي صوت طفلة حنون .. قمر يتيم .. وطفل آخر في الأحشاء لم يطلق سراحه بعد ..
حين تقرأ وصيتي هذه .. احضن الأوراق والصور .. لأني حين ألفظ أنفاسي سأكون وحيدة الدرب ..
لا يد تمسح على راسي ولا لسان يساعدني على لفظ الجلالة .. ولا تدمع .. لا أريد دموعا حين أرحل ..
كفاني ما بكيت .. كفاني ما ذرفت .. كفاني ما نزفت .. لا تدمع ..
فدمعك لن يعيد لي الحياة ولا طعم السعادة الذي حرمت ..
لن يعيد لي تلك البسمة وذاك الجسد المرمي على رمال البحر يداعب الرمل والشمس والهواء ..
وصيتي .. لا ترحل معي في عالم الذكريات .. لا أريد أن ترهق قلبك بالذكرى ..
ماذا فعلت بي الذكريات ¿¿ جرتني من جمالها الى عذاب قلبها .. سحبتني عنوة للآه رغم حلاوتها ..
نزفت بها عذب البوح حتى جف دمي وكسرت محبرتي .. أخاف عليك من جمالها الحزين ..
وحين يجتاحك الحنين لذاك المكان .. (هناك) ..
لا تنسى حين تزوره تحمل من الورود شيئا وتنثرها على فراش اللقاء ..
كما كنت أزين لك فراشك ووسادتك .. واشعل الشمعه وتأمل في جمال الغرفة بوحشتها ..
وكيف كنت أتجرع الوحشة والظلام والخوف في غيابك ..
وذاك القمر اليتيم .. حنون القلب بريء الطباع .. ليحتضنه كل منكم .. الا توأمي .. الا توأمي ..
ليتنفسه كما كان يتنفسني .. ليحاكيه ويكفكف أدمعه .. ويجوب به البساتين من الحياة كما فعل معي ..
وصيتي ... حين تفتح دفتر أشعاري اليتيمة .. وتلك الخواطر الغجرية ..
تأمل في رعشة قلمي على تلك الأسطر .. وتذكر أنني كنت أرتعش خوفا وبردا وألما في غيابك ..
حين ترحل بذكراك لتلك الزاوية المحرمة .. وطاولتنا معا .. إطلب العصير وضع القلم والكراس ..
ولكن أين نصفك الآخر .. من سيناصفك العصير والقلم والكراس ..
من سوى الرحيل والألم وشيء من الذكريات ..
حين تجوب الطرقات .. وتتنفس الشوارع والهواء .. ضع يدك على قلبك ..
وكن قويا من ذكريات الطرقات .. ففي كل زاوية ومدينة كان لنا همس وضحك ومرح وبكاء ..
حين يناديك طفلي لا تشيح بوجهك عنه هروبا من ذكرى عشقي .. تأمل في عينيه ..
هي العين ذاتها .. والشَعر الذي ذبت عشقا فيه .. هو الصوت ذاته .. والبكاء ذاته ..
حين تختنق حزنا في غيابي .. إعلم أنك تمر بأصعب المراحل ألما ..
فلا تطلق صرخات الألم ولا تبكي أدمع العين .. هو دمع دون صوت .. وصوت دون دمع ..
وصيتي ... حين تشتاق بكائي .. تذكر كيف تجعلني أبكي بسؤالك الفضولي .. ما بالك فاتنتي ¿¿
وبعدها تضحك وتطرب لسماع بكائي .. تلملمني بحنانك .. ومع هذا تحب سماعي أبكي ..
لبراءة صوتي وردة فعلي ..
حين تمر على عتبة المنزل .. تذكر كيف كان لك مرور متخفي هنا وهناك ..
لترصد مكاني وسر خطواتي .. وحين يأتي فصل الشتاء .. عانق جنوني معك تحت زخات المطر ..
وإصرخ ظلموكِ حبيبتي ..
وصيتي .. بعد الرحيل .. قبل رأس والدتي .. وانحني لها باجلال قائلا: أنا هي ..
أنا من كانت تتحدث عنه وتهرع فجرا لاحتضانه تحت المطر .. أنا من كان يرهقها بطفولته ..
وأنا من كان يستشعرها حين تحزن وتبكي عند البحر .. أنا من اقتحم عالمها الوردي حتى بات أحمر ...
أنا عشقها الغجري الذي حلمت أن ترتوي بالماء من ثغره .. أنا هي ..
حبيبي ...
أصعب أنواع البكاء .. على شيء ندرك تماما أنه لن يتكرر ولن يعود ...
قلبك الآخر
___ [blink]غــــــــالى[/blink] ___
