أعظم تقدير للحقيقة هو استخدامها

مع أن أم القوانين تقريبا هي إنجلترا إلا أن الأدب لا يترك التشريعات والأنظمة في حالها¡ فبالرغم من الإجماع على تطبيقها¡ إلا أن القارئ يجد في الأدبيات ما يُضحك.
أنهيتُ أخيرا كتابا بالإنجليزية اسمهُ (ذي لو إز أن آس) The Law is an ass - بما يعني أن الحمار جحش.. وحقيقة أن البعض قد وجد في اسم الكتاب اشمئزازا¡ إذ كيف يُعطى تلك الصفة وقد شرّعه المجتمع وفقهاء القانون. لكن يبدو أن المؤلف عجز عن كتمان رأيه أمام فقرات متناقضة جاء بها (عواجيز) فقه القانون.
أدرج الكاتب المواقف المضحكة التي تمرّ فيها الحياة في بريطانيا¡ المشهورة بتمسكها بالقديم. وأظهر غفلات القاضي في حالات عديدة جعلت إجهاض العدالة ليس أمرا واردا فحسب¡ بل مضحكا ومصدرا للتندر والسخرية.
والدليل الإيحائي يعني أن القانون عنيد¡ أو حرون¡ أو مستعص لا يلين وليس له إلا ما يرى أمامه. معظم أنظمة المحاكمات الجنائية في أوروبا وأميركا تعتمد نظام المُحلّفين ونظام الترافع بواسطة طرف ثالث في الموضوع وهو المحامي¡ وهي أنظمة عرفتها أثينا قبل الميلاد بخمسة أو ستة قرون¡ وتبنتها روما بعد ذلك¡ كما تبنتها فرنسا في القرن التاسع الميلادي وأخذتها أميركا عن إنجلترا.
ويجري اختيار المحلفين لكل قضية¡ أي ليسوا موظفين دائمين. في القضايا الجنائية سريا من عامة الشعب. أي لا درجة ولا خبرة ولا ثقافة مُشترطة. فقط خلو سوابق. 12 محلفا يسمعون القضية من أولها إلى آخرها ويدلون برأيهم في النهاية. مذنب أو غير مذنب.
لقد وجدت تلك الأنظمة الثناء العظيم¡ وأيضا الهجوم اللاذع في مختلف الحقب والأزمنة.
ومن المشوّق أن يتتبع المرء حالات غابت حقائقها عن أذهان القضاة والمحلفين والمحامين. والكتاب يضم الكثير ويُعطي تلميحات إلى أن القاضي ليس كل شيء.
وقادتني قراءة المطبوع إلى بعض الوقائع الحقيقية التي حدثت عندنا في نجد قديما.
تقول إحدى تلك القصص إن رجلا فقد ناقته في الصحراء وصادف أن سأل عنها أحد الرعاة. قال الراعي إنه رآها¡ وحاول الإمساك بها¡ لكنها هربت¡ وطاردها حتى عجز عن إدراكها. اتهم صاحب الناقة الراعي بأنه تسبب في ضياع الناقة¡ ولولا مطاردته إياها للبثت في مرعاها وأمكن العثور عليها¡ وطالبه بالثمن. احتكم الاثنان إلى القاضي فأقرّ الحق لصاحب الناقة¡ وأوجب على الراعي دفع ثمنها¡ لأنه تسبب في ضياعها¡ ما دام أنه أقرّ بمطاردتها. وأمهله مدة للدفع.
خرج الاثنان من مجلس القاضي وصادف الراعي أحد العارفين وقال له: عد إلى القاضي واطلب منه أن يُثبت أن الناقة التي طاردها هي ذاتها ناقة المدّعي¡ فالصحراء فيها من الإبل الكثير.
عجز المدعي عن الإتيان بقرينة أو دليل¡ وأصبح الراعي غير مُطالب ولا مسؤول.
مثل هذه الرسالة توحي بأهمية المحامي¡ وهي من تراثنا وليست غريبة. فالمحامي ساعد القاضي في الوصول إلى الحق¡ وساعد الراعي في الخلاص من حصول خسارة نتيجة حسن نيته.




إضغط هنا لقراءة المزيد...