إذا أردنا إنصاف برنامج "زد رصيدك" الذي تبثه قناة بداية فلابد من الإقرار أولاً بأنه أحد أكثر البرامج متابعة في المملكة¡ وله رصيد عال من النجاحات على مدى السنوات القليلة الماضية¡ وهذه حقيقة لا ينكرها إلا مكابر أو منافس!. ثم إنه كمحتوى لا يختلف عن كثير من برامج الواقع التي تبثها القنوات العربية والتي تمتلئ بكل ما هو سطحي و"تجاري" ولم يعترض عليها أحد أو على الأقل لم تواجه بحملات رفض شديدة¡ مثل "عرب آيدل" و"ستار أكاديمي" و"سوبر ستار". ومع ذلك فقد انحصر السخط الكبير على "زد رصيدك" تحديداً¡ وكأنه لا يوجد غير هذا البرنامج في خارطة الإعلام السعودي. فهل يستحق البرنامج كل هذا السخط¿. ولماذا هو تحديداً من بين كل البرامج الشبيهة¿.
لو تأملنا في محتوى البرنامج¡ سنجد أنه مجرد برنامج واقع عادي يلتقي فيه عدة متسابقين ويقضون فترة تمتد لأشهر تحت عدسات الكاميرات¡ ويتابع المشاهد يومياتهم بتفاصيلها الدقيقة¡ فيلتقط من خلالها طباعهم وشخصياتهم ومن ثم يختار من بينهم الأقرب إلى نفسه. لا يخرج "زد رصيدك" عن هذا الإطار الذي يجمعه ببقية برامج الواقع¡ وإذا كان البعض -أو الأكثرية إذا تحرينا الدقة- يرون في البرنامج تفاهة وابتذالاً فإن هذا -وللمفارقة- من صميم طبيعة برامج الواقع¡ بل طبيعة التلفزيون كله¡ التي لا تخرج عن روح الاستهلاك والابتذال والسطحية. وحسبك أن تنظر لأغلب محتوى "التلفزيون" بمختلف قنواته وستجده ضحلاً ولا يضيف شيئاً على مستوى العمق¡ بل إنه يحوّل العميق المعقد والجميل إلى سلعة تجارية سهلة الهضم¡ وتافهة أيضاً!.
إذن على مستوى المحتوى فإن البرنامج لا يعتبر بِدعاً في مجاله¡ وهو كغيره من البرامج التلفزيونية الاستهلاكية¡ لا يقدم جديداً ولا يضيف للمشاهد أي قيمة معرفية¡ وأغلب المتسابقين فيه لا يملكون من المواهب سوى "أصواتهم" فقط¡ ويعانون من جهل معرفي فادح اتضح في المسابقات التي يجريها البرنامج بين حلقة وأخرى. لكن هذا كله لا يفسر الحملة العنيفة التي تشن ضده من شريحة عريضة من المشاهدين¡ وبشكل خاص المثقفين.
مشكلة البرنامج ليست في قيمة محتواه¡ ولا في نوعية مخرجاته¡ بل في القالب الذي وضع نفسه فيه منذ انطلاقته قبل سنوات¡ عندما قدم نفسه واحداً من البرامج التي تنتمي لما سمّي بالإعلام المحافظ الذي عاش فترة ازدهار بين عامي 2002 و2008 قبل أن يتراجع في السنوات الأخيرة تحت ضغط التطور التقني. لقد وضع البرنامج "قيداً" على نفسه¡ وارتدى رداء لا يتلاءم مع طبيعته التسلوية الاستهلاكية¡ حتى وجد المشاهدون صعوبة في قبول ما يحتويه من سفاهة وابتذال. فكيف يأتي برنامج "محافظ" ليقدم لقطات وعبارات فيها "خفة" وهزل وعبث¿!.
هذا القيد أحرج البرنامج كثيراً¡ وجعله في مرمى نقد المحبين قبل الخصوم¡ ويبدو أن القائمين عليه أدركوا الحقيقة متأخرين¡ ويسعون حالياً للخروج من الصورة الذهنية التي صنعوها بأنفسهم¡ وذلك عبر تكثيف مشاهد "الإنشاد" والتطريب وإقحامها في أغلب فقرات البرنامج¡ بل زادوا على ذلك باستيراد قالب غنائي غربي "الهيب هوب" وقدموه في إحدى الحلقات¡ في خطوة جريئة وغريبة على الإعلام المحافظ¡ لا تعبر إلا عن رغبة كبيرة في الانعتاق من القالب الذي حشروا أنفسهم فيه.
هنا تحديداً تكمن ورطة "زد رصيدك"¡ ولو أزال البرنامج هالة "المحافظة" التي صنعها حوله¡ وبدأ المشاهدون ينظرون له كما هو على حقيقتهº برنامجاً واقعياً تقليدياً¡ لما واجه حملات عنيفة من جمهور متحفز ينتظر منه أدنى "زلة". ولأصبح التعامل معه مثل التعامل مع برامج سطحية أخرى نجت من ورطة القولبة والتصنيف.




إضغط هنا لقراءة المزيد...