ليس ثمة جدل في أن الجلوس لغويّا هو عكس القيام. وتتصاحب المفردة مع الركود والثبات¡ ولا توحي بالحراك والنشاط. ولو بيدي من الأمر شيء لما استعملت مفردة "مجلس" لوصف دوائر يُفترض فيها الحراك والنشاط والأخذ والرد والتعاطي مع ما حوله. وأقرب مثال عندنا هو مجلس الشورى ومجلس التعاون ومجلس الغرف التجارية وغيرها من المجالس و"المْقلّطات".
السبب في هذا هو أنني بحثتُ بالإنجليزية عن مفردة مجلس ووجدتها نادرة الاستعمال¡ حتى لفظها بالإنجليزية council – يملأ الفم¡ ويتحرك فيه الفك ويرتفع وينخفض¡ ولا تُشجع المفردة لافظيها على الاستمرار في الحديث¡ ولا إبهار السامع.
لا يوجد شيء اسمه مجلس الوزراء في بريطانيا¡ واستعاضوا عنه بالعنوان فقط¡ فيقولون 10 داوننج ستريت – لأنهم – فيما يظهر لي – لا يحبون مفردة (كاونسل) الثقيلة كما أسلفت.
مجلس الشورى عندنا تحفة معمارية فريدة بقبته الإسلامية المزخرفة والتي يمكن رؤيتها من بُعْد. وزيادة في الحفاظ على الستر جعلوا الوصول إليه احترازا مُعقّدا¡ فعلى الذاهب إليه لغرض معين أن يجتاز حراسات وحواجز واستقصاءات وتوصيات من أحد في الداخل. ومن حق أهله إجراء كل معايير الحيطة الأمنية¡ كأي مرفق في زماننا هذا.
أما مجلس التعاون – وكان مقر عملي لمرحلة زمنية - فهو أيضا جمال بيئيّ فريد من نوعه إنشائيا وزخرفة وبستنة¡ وأيضا ذو حراسة أمنية كنا نستصعب معرفة سببها. وأذكر أن الأمين العام الأول للمجلس يُشدد على إظهار البروتوكول والهيبة عند المدخل الرئيس¡ فأمر أن توضع تحت أرجل طاقم الاستقبال خشبة صلبة لتقوم الحراسة الأمنية بإعلان دخوله (دخول الأمين) عن طريق الضرب بالأرجل على تلك الخشبة ورفع اليد بالسلام¡ والبقاء وقوفا حتى يجتاز الأمين الصالة. هذا عندما كان المجلس يشغل عمارة طويلة جدا في شارع المطار القديم بالرياض. وأُبطلت العملية تلك من قبل الأمناء اللاحقين. خصوصا عندما انتقلنا إلى المبنى الحالي.
وأسماء الدوائر تختلف في بلد عن آخر. فوزارة الدفاع الأميركية لا تُعرف إلا بالـ"بنتاغون". بسبب شكله الخماسي الأضلاع. وإدارة الشرطة البريطانية لا تُعرف إلا بـ "اسكوتلاند يارد". ووزارة الداخلية البريطانية يسمونها الـ"هوم أوفيس". ووزارة الخارجية البريطانية (إف أو) اختصار (فورين أوفيس) وأيضا وزارة الخارجية الأميركية يسمونها (ستيت ديبارتمنت) ولا طاري للشؤون الخارجية.




إضغط هنا لقراءة المزيد...