وإذا كان رجال الأمن الأبطال في الحدود وغيرها ينصبون نحورهم متاريس دون أمن الوطن¡ فلا ينبغي أن تذهب أنفسُ غيرهم حسراتٍ على منافع هامشية اقتضت مصلحة وطنهم تخلُّفها في فترةٍ معينةٍ.
مهما بذل الناس من جهودٍ مُضنيةٍ لتقليلِ العسر¡ فلن يكون بوسعهم سدَّ بابه بالكُليِّة¡ وسيبقى الإنسان عرضةً لأيام يسرٍ وأيام عسرٍ¡ واستدامة تجنب العسر وجريان رياح الأيام بما تشتهي سفن الحياة فغير معهود¡ بل جرى القدر على أهل الدنيا بتعذُّره¡ وإنما تظهر عبقرية أهل التدبير منهم في قدرته على تجنب أسباب المشكلات¡ وتقليل آثار العسر إذا حلّ¡ أو تقليص المدة الزمنية اللازمة لإعادة الأمور إلى نصابها¡ وقد كانت دولتنا المباركة المملكة العربية السعودية مثالاً يحتذى في تلك العبقرية فقد كانت سياستها الحكيمة مبنيّة على تحقيق المصالح وتكثيرها¡ وتجنُّب المفاسد وتقليلها¡ والعالم اليوم يمرُّ بأحوالٍ استثنائيةٍ تنشأ عنها صعوبات ملموسة¡ ولا أحد بمنأى عن التأثر بهذا¡ ولكن علينا أن نتعامل مع المرحلة بروح الوفاء للدولة والسمع والطاعة لولي الأمر¡ وسأتناول ذلك من خلال النقاط الآتية:
أولاً: من المهم البعد عن التذمُّر والامتعاض من قرارات الدولة¡ فإن انتقاد قرار الدولة سلوك يتنافى مع ما أوجبه الله علينا من السمع والطاعة لوليِّ الأمر¡ ومن نماذج حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تأكيد مبدأ السمع والطاعة أنه لم يكِل كثيراً من تفاصيله على فهمِ مستنبطٍ يستنبطها من النصوص¡ بل صرّح بها¡ ومن ذلك تأكيده أن السمع والطاعة واجبان في جميع ظروف الحياة من ضيقٍ وسعةٍ¡ فعن عُبَادَةَ بن الصامت رضي الله تعالى عنه قَالَ: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ¡ وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ¡ وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا¡ وَعَلَى أَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَأَنْ نَقُولَ¡ أَوْ نَقُومَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا¡ لاَ نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ» متفق عليه¡ ودولتنا –بحمد الله- لا ترتجل القرارات بل تتخذها بعد دراساتٍ دقيقةٍ¡ وتُطبِّقُ ما رأت أنه الأصلح¡ ورؤيتها أهم وأولى بالثقة مما يراه كُلٌّ مناº إذ هي رؤية نخبةٍ من المجتمع توفرت لهم وسائل تبصُّرٍ على أعلى المستويات¡ فتمكّنوا بإذن الله من المقارنة الدقيقة والاستنتاج الصائب¡ ومن حسن الحظِّ أنهم جاهزون لوقوعِ مثل هذه الظروف¡ وأنهم قادرون على إدارتها بكل كفاءة.**
ثانياً: من الوفاء للدولة التي أعطت الكثير من الخير¡ ودفعت عن حمانا حملات أهل الشر¡ من الوفاء لها أن يُساندها الشعب كلما هبّت لمعالجة مشكلةٍ معينةٍ¡ وأن يقف معها وقفة صدقٍ وحزمٍ¡ وأن يضع فيها كامل ثقته¡ فهي أهلٌ لذلك¡ وآلية ذلك أن يتَّسم كُلٌّ منا بالنظرة الإيجابية فيركز نظره على أنواع اليسر الكثيرة المتحققة لنا بفضل الله تعالى ثم بجهود دولتنا في جميع المجالات¡ وهذا اليسر لا تُخطئه العين¡ وإذا تخلّله عسرٌ أنتجته ظروفٌ كونيةٌ خارج إرادة البشر فلا ينبغي الامتعاض منه¡ ولا تركيز النظر عليه¡ بل الواجب استحضار أن الدولة بتطبيقها مثل هذه الإجراءات ترتكب أخفّ وأهون العسرين لاجتناب عُسْرٍ أكبر¡ هذا بالإضافة إلى أن الانتماء الوطني الصادق يستوجب على المواطن أن يكون جاهزاً لأن يبذل كُلَّ غالٍ ونفيسٍ دفاعاً عن وطنه وإعزازاً له¡ وهذا لا يقتصر على مجالٍ دون مجالٍ¡ بل كُلُّ من تحمّلَ مشقةً معينةً تتطلّبُ مصلحةُ الوطن تحمُّلَها فهو مُساندٌ لوطنه سواء كانت تلك المشقة جسدية أو مادية أو غيرهما¡ وإذا كان رجال الأمن الأبطال في الحدود وغيرها ينصبون نحورهم متاريس دون أمن الوطن¡ فلا ينبغي أن تذهب أنفسُ غيرهم حسراتٍ على منافع هامشية اقتضت مصلحة وطنهم تخلُّفها في فترةٍ معينةٍ.
ثالثاً: شرفٌ لنا ما عبّر به المواطنون من وقوفهم مع قيادتهم الرشيدة فيما اتخذته من القرارات¡ وقد أثلج ذلك صدورَنا ما عبّروا عنه من ذلك¡ وإن في هذا التكاتف وهذه المؤازرة لتخييباً لظنِّ المتربصين بوطننا¡ والذين عودناهم تخييب ظنونهم¡ لكن الغلّ في صدروهم لا يزال يؤزُّ بهم على التشغيب علينا أزّاً¡ ولم يحصل هؤلاء المشاغبون من سعيهم الخائب إلا على الآثام والفضائح¡ فقد ظهر خبثهم وسوء طواياهم¡ وعدم حبهم الخير للمسلمين¡ والذي لا ينقضي منه العجب أن هؤلاء المشاغبين-مع اختلاف أصنافهم وتعدد أجناسهم- يجمعهم وصف واحد هو الفشل الذريع¡ فمنهم من ضعفت قبضته عن التمسُّك بشيءٍ من أغلى الدنيويات ألا وهو الوطن¡ فتخلّى عن وطنه¡ وباعه بثمنٍ بخسٍ¡ ومنهم من لا توازي دولهم إخمص المملكة في الأهمية ورعاية المواطنين¡ ومنهم ساسةٌ لم يوفّروا لشعوبهم عشر ما وفّرت المملكة لشعبها¡ وليتهم سمعوا نصيحة القائل:
أَقِلُّوا عليهم لا أبا لأبِيكُمُ ... مِن اللومِ أو سُدُّوا المكانَ الذي سَدُّوا
أولئك قومٌ إن بَنْوا أحسنوا البُنَى ... وإِن عاهدُوا أَوْفَوْا وإِن عَقَدُوا شَدُّوا




http://www.alriyadh.com/1821061]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]