قوبل المقطع الذي ألقى فيه الشاعر والإعلامي القدير مبارك سيف أبياتاً من مُعلقة امرئ القيس من موقع جبل «حومل» بسيل من التعليقات الساخرة والآراء المتهكمة في مختلف وسائل التواصل¡ وذلك بسبب اللغة التي بدت غير مألوفة بمزجها بين العامية والفصحى (أو ما تُشبه الفصحى)¡ ولن أتحدّث عن هذا النوع من التعليقات والآراء ليقيني التام أن صاحب الشأن لن يستاء منها كثيراً¡ لا سيما وأنه قد أبدى سابقاً موقفاً مُتفهماً لموجة السخرية والتهكم التي استمرّت طويلاً على استفهامه الشهير والعفوي: «أين هي الحقيقة الغائبة والأسباب¿». إذ صرّح في حوار أجرته معه الإعلامية نرجس العوامي عبر قناة MBC أن صدره يتسع لمثل تلك الردود وأنه يسعد بها¡ خاصة أنه نال مزيداً من الضوء الإعلامي بفضل أمر لا يُخل «بشرف ولا بدين ولا بعرف» بحسب عبارته.
وأود أن أتجاوز النوع الأول من الردود والتعليقات إلى النوع الثاني الذي صدر من فئة يُقدّم لنا أفرادها أنفسهم¡ دائماً¡ على أنهم هم «أنصار اللغة العربية» والمدافعون عن حماها¡ فتجد الواحد منهم لا يتوقف عن التباكي على وضع اللغة «المؤسف»¡ وينشغل بمعارك تصويب الأخطاء اللغوية في «الهاشتاقات» وفي تغريدات الآخرين أكثر من انشغاله بشؤون حياته. فقد شنّ هؤلاء كالعادة هجوماً عنيفاً على مبارك سيف بعد إلقائه للمُعلَّقة يتهمونه بإفساد اللغة ويدّعون أنه «ذبحها من الوريد إلى الوريد»!
والعجيب أن أولئك المنتقدين يُريدون من ابن سيف¡ ومن غيره من الإعلاميين¡ التحدث باللغة الفصحى تحدثاً سليماً دائماً وأبداً دون التفاتٍ لطبيعة البرامج التي يقدّمها ولا لنوعية الجمهور الذي يُخاطبه¡ مع جزمي أن المنتقَد يجيد التواصل مع الناس والتأثير فيهم إيجاباً أكثر من منتقديه. ولو افترضنا أنه حفظ المعلّقة بنصها واجتهد كل الاجتهاد في مسألة ضبطها لغوياً فلا أظن أنه سيسلم من الهجوم والانتقاد من فئة «أنصار اللغة»¡ ونتذكر هنا ما تعرّض له الدكتور عيد اليحيى من هجوم عنيف على برنامجه الناجح والمؤثر باستعمال الحجّة التي لا يملون من اجترارها وهي حجة: «الاستهانة باللغة وإفسادها». وقد قرأت مقالات مطولّة يتتبع فيها أحد أفراد تلك الفئة حلقات البرنامج ويتصيّد الأخطاء تمهيداً للهجوم على اليحيى¡ ويتهمه بجملة من التهم قائلاً: «هذا العمل تحوّل إلى عبث بالغٍ أفسد اللغة وأفسد الشعر وأفسد الأعلام وأفسد المواضع والبلدان»!
لا أكتب هذه السطور دفاعاً عن مبارك سيف ولا دفاعاً عن طريقته في إلقاء المعلّقة¡ بل للتنبيه إلى ما لاحظته من وجود مبالغات وتضخيم في الردود التي تصدر ممن يرون أنفسهم «أنصار اللغة» وحراسها¡ وهو أمر مزعج لا أظنّه يخدم اللغة. ومن جهة أخرى أردت الإشادة بالجهد الكبير الذي بذله ابن سيف في خدمة تراث الصحراء وإبراز ثقافتها ودعم وتشجيع مواهب أبنائها¡ وذلك بتقديم برامج شعبية ميدانية تلامس واقع المواطن البسيط وتنقل للمشاهدين إبداعاته وهمومه وآماله¡ وكان دائماً نموذجاً رائعاً للإعلامي المميز المتفاني الذي يتحدّث إلى المشاهدين بعفوية وبلغة بسيطة وجميلة يفهمونها وتعبّر عنهم بوضوح.
http://www.alriyadh.com/1855948]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]