الأمل يحدوني أن تكون بداية هذه العودة من الحملة الوطنية للتشجير¡ التي نهضت بها طائفتان: مؤسسات الدولة¡ ومواطنوها¡ وهي حملة مُباركة¡ لعل الله عز وجل يكتب بها عودة الجزيرة العربية إلى ما كانت عليه في الزمن السحيق..
حفظت الرواية من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أقوالاً كثيرة¡ تدور حول المستقبل وما سيجري فيه¡ وتُخاطب أهل تلك الأزمان قبلنا بما سيكون بعدهم¡ تُنبئهم عنه وتُظهر لهم خبره¡ ومع أن تلك الأحاديث تبعث السؤال في الذهن¡ وتدعو الناس إليه¡ تبعثه لأن تلك الروايات تذكر حالاً غير الحال التي يعيشها المسلمون¡ وتدعو إليه لأن تلك المنقولات تُخبر الناس بما يُغاير معهودهم ويخالف إلفهمº إلّا أنّك لا تجد في مدوّنات أهل الإسلام محاولات متقدّمة في تفسير ذلك والكشف عنه¡ فكأنّ المسلمين في العصور الأولى لم يُحاولوا فهم تلك الأحاديث¡ ولم يطلبوا معناها¡ ولم يضطرهم من يخالفهم إليه¡ فهم مثلاً ينقلون عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:" لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض¡ حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحداً يقبلها منه¡ وحتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً" رواه مسلم¡ وحين تعود للبحث عمّن يُفسر هذا المتن¡ ويُوضّح لك معناه¡ وأقصد قوله عليه الصلاة والسلام:" وحتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً"º لا تجد أحداً قبل النووي والقرطبي¡ وهما من علماء الإسلام في القرن السابع الهجري¡ أولهما من أرض الشام¡ وثانيهما من أرض الأندلس ووافته منيته في مصرº يلتفت إلى هذا المتن¡ ويُقدّم للمسلمين ما لعله يكون المقصود من قول المصطفى عليه الصلاة والسلام.
قرون ممتدة قبل هذين الشيخين لم تُبدِ رأياً¡ ولم يصدر عنها قول¡ وشاء الله أن يكون هذان العالمان في قرن واحد¡ وشاء أيضاً أن يكون كلاهما من غير أهل هذه الجزيرة¡ والمعنى الذي طرحاه لهذا المتن فيه اختلاف غير يسير¡ رأى النووي أن معنى الحديث: "والله أعلم أنهم يتركونها¡ ويعرضون عنها¡ فتبقى مهملة¡ لا تُزرع ولا تُسقى من مياهها¡ وذلك لقلة الرجال وكثرة الحروب وتراكم الفتن وقرب الساعة وقلة الآمال وعدم الفراغ" وقوله هذا يُشعر أنّ إهمال العرب لأرضهم¡ وتركهم لها¡ هو السبب وراء عودتها مروجاً وأنهاراً¡ وهو لهذا محسوب في مَنْ يُفسّرون الحديث تفسيراً يعود إلى الإنسان وينطلق منه¡ وهم أُولئك الذين يجعلون النبوءة مرهونة بعمل الإنسان وحركته¡ ولم يخطر في أذهانهم أن يحملوا الحديث الشريف على معنى بعيد عن العربي وتقلّبه واضطرابه في الحياة.
ومثل النووي في هذا القرطبي¡ وأقصد ذهابه إلى أنّ ما يُصيب جزيرة العرب سببُه العربي وما يأتيه¡ وإن كان مخالفاً له في تفسير الحديث وفي الوجه الذي سيقوم به العربي وتنتهي بعده الجزيرة إلى حالها المذكورة¡ حيث انصرف فهم القرطبي إلى أنّ العرب ستترك الترحال وراء الغيث¡ وتدعُ الحروب والغارات¡ وتنشغل بغراسة الأرض وعمارتها¡ وفي هذا يقوله:" تنصرف دواعي العرب عن مقتضى عادتهم من انتجاع الغيث والارتحال عن المواطن للحروب والغارات... فيشتغلوا بغراسة الأرض وعمارتها وإجراء مياهها كما قد شُوهد في كثير من بلادهم وأحوالهم".
ولعلي بعدُ أستطيع أن أقول: إن الفهم الذي اختاره المسلمون في القديم¡ وإن اختلفوا فيه¡ يرجع إلى محور واحد¡ ويدور عليه¡ وهو الإنسان العربي وأعماله¡ فما يقوم به العربي¡ ويتجه إليه¡ وتحدوه نفسه للنهوض به¡ هو الذي سيكون وراء ما جاءت النبوءة به¡ وبهذا الفهم يعود تفسير الحديث إلى حياة العرب وما ينقادون إليه¡ وتكون الأعباء في العودة واقعة على عاتق العربي¡ وبجهوده ونشاطه وبحثه العلمي تتحقق هذه النبوءة.
ويقف على الضفة الأخرى فهم جديد¡ يذهب أصحابه¡ ومنهم جمال الكومي¡ إلى أنّ هذه العودة¡ وهو ظن غالب عنده¡ ستكون مرهونة بتغيّر شامل لمناخ الأرض¡ وحدوث عصر جليدي جديد¡ تنساب بعده المياه في مروج الجزيرة وأنهارها¡ وهو معنى تكتنفه الظنون¡ وتُحيط به الأوهام¡ وحسبنا في رفضه أنّه يُجرّد الإنسان العربي من دوره¡ ويجعله ينتظر متى يأتيه ذلكم العصر الجليدي الموهوم¿! إنّ إبعاد العربي ودوره¡ وهو المعنى الذي اتفق على رفضه رأي العالمين النووي والقرطبي¡ يُقصي هذا الإنسان من التفكير والعمل على ما قد يُحقق النبوءة ويأتي بها¡ وهو فهم أميل إلى أنّه يجب على العربي المسلم¡ الذي يأمل تحقق هذه النبوءة¡ أن يُهمله ويتركه ويتخلّص منه¡ وحسبه منه قيامه على ظنون وأوهام¡ لا يسندها دليل صريح¡ ولا برهان بيّن.
والأمل يحدوني أن تكون بداية هذه العودة من الحملة الوطنية للتشجير¡ التي نهضت بها طائفتان: مؤسسات الدولة¡ ومواطنوها¡ وهي حملة مُباركة¡ لعل الله عز وجل يكتب بها عودة الجزيرة العربية إلى ما كانت عليه في الزمن السحيق¡ فيُكتب ذلك في سجلّ تاريخ هذه الدولة المباركة¡ فقد تبيّن من الدراسات أنّ التشجير يزيد نسبة هطول الأمطار¡ وأنّ قطع الغابات يقود إلى التصحر والجفاف.
http://www.alriyadh.com/1855952]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]