هناك علاقة وطيدة بين الصحراء والإبل¡ عملت العرب على التأقلم معها والانتفاع بها¡ حتى صارت جزءًا من الشخصية العربية وحضارتها العتيقة كما هو الشأن في سباق الخيل¡ وقد اشتهر هذ النوع من السباقات في كثير من البلدان العربية وغير العربية¡ ولكن تميزت العرب بحبها وعشقها لهذا النوع من الرياضات¡ وما زالت تحافظ عليها وتتوسع وتنتشر فنونها وتشتهر نوقها إلى يومنا هذا..
قبل الشروع في المقصود¡ أريد إماطة اللثام عن إشكالية في تصور الكثير من الناس لكثير من الآثار والأحاديث النبوية¡ فبمجرد سماعه "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" إلا ويستقبل ما يسمعه بحال تعبدي وتنسكي يتعارض مع المراد والمنطوق والمفهوم من الحالة التي يشرحها وينقلها الأثر أو الحديث¡ وهذا ما نحا بكثير من هؤلاء منحى التخشع الدائم حتى في مواضع يريد منها المحدث والراوي إظهار بسمتك وضحكاتك ولهوك من الحال التي يشرحها¡ والإشكالية تكمن في عدم إقران المسموع بتصور للهيئة والحال التي يشرحها هذا الحديث¡ وهو ما يجعلنا نصنع من تصوراتنا شيئًا من الحقيقة ولو بالمقاربة¡ فإن الأحاديث والآثار قد يأتيك منها المختصر في كلمات قليلة إلا أن التصور للحال قد لا تستوعبه عشرات الأفلام والمسلسلات التي تصنع اليوم¡ وفي ثنايا التصور قد تستنبط الكثير والكثير من الأحكام التي تسمى بدلالة التضمن والالتزام.
ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر¡ ما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه¡ قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة تسمى العضباء¡ لا تُسبق - قال حميد: أو لا تكاد تسبق - فجاء أعرابي على قعود فسبقها¡ فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه¡ فقال: «حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه» فلا غبار هنا في استنباط الحكم في جواز سباق الإبل بل واستحبابه لما فيه من رياضة وتدريب على المهارة¡ واكتساب القوة¡ وإظهار ما للعرب والمسلمين من رياضات موروثة¡ ومن جواز واستحباب اشتراك أصحاب الوجاهة والأمر في مجاراة الناس في بعض ما هم عليه من مباحات ورياضات وتجمعات¡ كل ذلك لا يعجز فقيهٌ عن استنباطه والنطق به¡ ولكن الذي ندّ عن كثير من الأذهان المائلة إلى إلباس الناس لباس التنسك والتخشع¡ والتكلف في البعد عن المباحات المرغب في فعلها¡ هو تصور الحال¡ وصنع سيناريوهات في الذهن مشابهة بعض الشيء لما تسمعه الأذن من الحديث¡ لنجد بعد هذا التصور أن هناك سباقًا للإبل قد حصل¡ والسباق يلزم منه وجود مساحة كبيرة وطويلة تستوعب الحدث¡ وأيضًا هناك جمع من الحضور¡ وهم من نسميهم في عصرنا الجمهور¡ وأن الحاضرين هذا السباق من المسلمين كانوا يشجعون ناقة النبي صلى الله عليه وسلم¡ وهذه التشجيع وحبهم ورجاؤهم فوز ناقة النبي صلى الله عليه وسلم وحب فوزها هو تابع لحبهم مالكها صلى الله عليه وسلم¡ وحين سبقها قعود الأعرابي اعتراهم ما يعتري حاضري السباقات عند غلبة ما يشجعونه¡ فظهرت على وجوههم المشقة¡ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما تقدم¡ ولك أيضًا أن توسع ذهنك في التصور ولك أن تتصور ذلك الأعرابي وهو يحدق من على قعوده ويتابع السباق ويشجع¡ وآخر الأمر سبق قعوده¡ فلك أن تتصور فرحته وابتهاجه¡ وحرصه وجده في السباق¡ وأيضًا لك أن تتمعن في وصف الراوي للناقة "لا تكاد تُسبق" أي أن السباق هذا لم يكن الأول¡ بل قد عرفت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم بسباقات كثيرة لا تسبق فيها¡ وتصورات كثيرة لك أن تستعرضها¡ وللتنبيهº هناك علاقة وطيدة بين الصحراء والإبل¡ عملت العرب على التأقلم معها والانتفاع بها¡ حتى صارت جزءًا من الشخصية العربية وحضارتها العتيقة كما هو الشأن في سباق الخيل¡ وقد اشتهر هذ النوع من السباقات في كثير من البلدان العربية وغير العربية¡ ولكن تميزت العرب بحبها وعشقها لهذا النوع من الرياضات¡ ولا زالت تحافظ عليها وتتوسع وتنتشر فنونها وتشتهر نوقها إلى يومنا هذا.
بقي أن أشير إلى أن من الممكن أن نحول ما نستمتع به من الرياضات والتسلية عبادة نؤجر عليها متى احتسبنا اللهو بها ترويح النفس لتستعد للجد في عبادتها الدينية¡ وأعمالها الدنيوية¡ فلنستروض ولنستصحب مع الرياضة صلاح النية¡ وحسن القصد. هذا¡ والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/1858424]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]