-
أثر الفراشة
في العام 1961م كان إدوارد لورينز يعمل على نموذج رياضي لمحاكاة الطقس¡ حيث يحدد متغيرات في النموذج الرياضي ويجري المحاكاة على حاسب آلي تابع لمعهد الدراسات المتقدمة في برينستون حيث يعمل. كان الحاسب الآلي الذي يزن ربع طن بتكلفة (بي أم دبليو) من الفئة السابعة¡ يمضي في المحاكاة ساعات حتى ينتج بيانات لحالة الطقس لأسابيع مقبلة. ومع كل مرة¡ يضع لورينز متغيرات ثابتة ومتغيرة¡ حتى اختصر مرة أحد المتغيرات الثابتة بتقريبها لأقرب جزء من الألف¡ وترك الحاسب ساعة وعاد ليراجع النتائج فوجد البيانات بعد طباعتها قد اختلفت اختلافاً كبيراً. ظن للوهلة الأولى أن الحاسب تعطل¡ وقبل أن يطلب الصيانة¡ راجع البيانات بدقة لعله يتبين سبب العطل¡ فوجد أن البيانات في أول المحاكاة مماثلة لسابقاتها في البداية فقط¡ وتتحول تدريجياً في تسلسل منطقي لا يشبه أي عطل كان يتوقعه.
كانت البيانات كما يصفها لورينز كسابقاتها حتى الأسبوع الأول ثم تتحول تدريجياً حتى بدأت تتضاعف كل أربعة أيام¡ وبعد الأسبوع الثامن اختلفت النتائج تماماً. استنتج من ذلك أن التحول الذي جرى في المحاكاة سببه التقريب الذي أجراه في المتغير الثابت¡ حيث كان يدخله كاملاً كل مرة. بمجرد إحداث تغيير بسيط يمثل أقل من جزء من الألف¡ أدى إلى تحول كبير في تنبؤات الطقس بعد عدة أسابيع. نشر لورينز نتائج بحثه الذي عرض فيه درجة الحساسية العالية لنماذج الطقس كما تبين له في نظام المحاكاة الذي عمله¡ فثار جدل حول النتائج وحقيقة استنتاجاته. بعد سنوات من نشر الورقة¡ بدأت نظرية الفوضى الخلاقة بالشيوع¡ حيث صدر مقال يسأل عن ظاهرة التحولات الخفية كان عنوانه: هل تتسبب خفقة جناح فراشة في البرازيل بعاصفة مطرية في تكساس¿
إن مفهوم أثر الفراشة الذي يشيع اليوم على نطاق واسع¡ يحيل إلى حقيقة نستبينها اليوم أكثر من أي وقت مضى¡ أن ربما كان الأثر الذي نراه مهما عظم¡ سببه بسيط لا يرى. وبالنظر إلى فهمنا للسببية وميلنا إلى تفسير الأمور بظواهرها استناداً إلى البديهة¡ فإن الجائحة التي توشك أن تنقشع تعزز مفهوم أثر الفراشة الذي تمثل في انتقال العدوى بالسرعة التي رأينا. كما أن العلاقة بين الأشياء من حيث الأثر ليست سواء¡ فليس لكل نتيجة سبب واحد¡ وليست الأسباب مستقلة في علاقاتها. فإضافة إلى أن السببية متعددة فإنها متوالية كذلك¡ أي ربما كان السبب نتيجة¡ والنتيجة سبباً¡ حتى تتكون شبكة معقدة من الأسباب والنتائج عند دراسة ظاهرة ما. لذلك تفشل الحلول التي تدرس المشكلات دراسة ظاهرية مغفلة الأسباب الجذرية وشبكة علاقاتها المركبة التي أدت إلى ظهورها ابتداء. وإذا نظرنا إلى المشكلات التي تعترضنا في حياتنا العامة¡ سنجدها مركبة من شبكة من المسببات والنتائج تجعل وصفها بالمشكلة تبسيطاً مخلاً لحقيقتها.
http://www.alriyadh.com/1860851]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى