حديث العمق الذي غالبا ما يدور في ثنايا النفس، وعلى شرفات العقل فتتهادى بعض المفاهيم على أعتاب الواقع، وتغوص في صرامة الحدث.. فنجد أنفسنا في مواجهة أصعب الحقائق وأكثرها إيلاما في واقعنا.. فتدور أبسط الأسئلة حول مكعباتنا.. دعونا نتأمل حالة الإفلاس لدى كثير منّا.
الإفلاس يقترب من تجريد العطاء من ملامحه.. ويذيب الإحساس.. فيكون التعري خلف أنفسنا، وأمام القناعات البالية التي تحتمي بعقد نفسية بائسة.. المفلس لا ينحاز إلاّ إلى نفسه لتنصهر الجماليات، وتتقشر اللطائف بحس الفراغ، وصخب الطغيان.. الإفلاس لا يقترب من أي شيء إلا ويذبحه.. الإفلاس أنهك الكل.
في المال.. أثرياء البخل متخمون به، تجدهم أقرب للإفلاس، بل هم مفلسون فمالهم ملتصق بجيوبهم وحساباتهم لا يكاد يخرج لفعل الخير والبر، والمساعدة، والدعم للمحتاج والمسكين، أقرباؤهم ومن يحملون اسمهم تجدهم من أتعس وأفقر الناس ولا يلتفت إليهم.. وذاك مفلس حين يتفاخر بصرف عشرات الآلاف على سفرة لبلاد الهوى.. وحين يعود تجده يصخب ويلهث خلف دين من مئات الريالات أقرضه لأحدهم، أو تراه يقتر على أسرته وأهله ويحاسبهم على فتافيت المصاريف.
هو يصلي ويصوم ولكنه مفلس من الأخلاق فلا حَسن حديث يتفوه به، ولا فعل قويم يعامل به، ولا فضل ينتهجه، ولا طيب يسلكه، ولا تسامح، ولا أمانة.. وذلك الرجل الزوج مفلس حين يستأسد في بيته ويهيج ويضج بالويلات والوعيد وعندما يذهب إلى استراحته تجده مستكينا منزويا لا يكاد يحكي.. وتلك المرأة مفلسة حين ينظر إليها زوجها فلا تسره، ولا تحفظه وتراه ممولا لطلباتها فقط، وتبصرها من أنشط النساء عند التبضع ولكن في مسؤولية بيتها متكاسلة منهكة.. ومفلس من الإحساس ذلك الذي يسمى نفسه كريما الذي يقضي على قطيع من الغنم فيذبحها لضيف أو ضيفين ويرمي بباقيه في الخلاء.. وذلك الأب مفلس حين يهيم على وجهه في تجارته أو عمله، أو رحلاته ويهمل متابعة وتربية الأبناء.
وهو مفلس الشعور ذاك المسؤول الذي يرى كرسيه لا يدور إلا له.. ويجد أن المنصب متعة له ولحاشيته.. فلا يدير ولا يطور ولا ينتج ولا يقدم حاجات الناس على حاجته الخاصة بل يعطّل، ويستغني عن الناس إلا خاصته.. وذلك الطبيب مفلس من القيّم الإنسانية حين يهتم بـ"التشخيص" في مظهره عن التشخيص الطبي الحقيقي لمرضه.. وذاك أستاذ مفلس حين يرتفع بشهادته، وينخفض بعلمه، فيعلّب الطلاب ولا يعلّمهم.. ومفلس ذلك الفرد الذي يتخم نفسه بالديون ليعيش الترف والكماليات، أو يتكلف ما لا يطيقه تقليدا، وموضة.. وتلك القناة مفلسة جدا حين تملأ جدولها ببرامج التفاهات، ومشاهد الفوضى، فتكون سببا في تشويه المجتمع.. ولو واصلنا سنجد أمثلة وأمثلة لصور المفلسين حقا.
ختام القول: قاعدة الإفلاس هي بناء التناقص في ذات البعض، وهدم الرشد.. وقانون الإفلاس هو تكييف الخيبة وسوء التدبير في واقع أحدهم.. أن تكون مفلسا في باطنك وظاهرك ستكون فاقدا للوعي بقيمة ذاتك، وقيمة الأشياء حولك.. وأن تكون ثريا عليك تعزيز رصيدك في غنى النفس، وتداول التقدير لما تملكه في حسابات الوعي.. فاختر لنفسك.




http://www.alriyadh.com/1886136]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]