تولي كتب الأدب العربي منذ القديم عنايةً كبيرة في الاحتفاء بالملوك، والأمراء، وتوقيرهم، وتقديرهم، ومراعاة آدابهم، وتوخي الطرق الناجعة في التعامل معهم، ولذلك نشطت كتب الأدب منذ القرن الثاني الهجري وما بعده في التأليف والتصنيف اعتناءً واهتماماً بالآداب السياسية، وما يتفرع عنها من ثقافة، وسلوك، ومن هنا نشأت في النثر العربي (الرسائل الديوانية)، وما يتبعها، كالوصايا، والعهود، والمواثيق، والبشائر، والفتوح، ورسائل الأمان، والأيمان، ونحوها، وأغلب هذه الرسائل تتسم بأسلوب خاص يليق بمكانة الملك، أو الأمير، أو الوزير، أو نحوه من ذوي الجاه والسلطان.
والمتأمل في كتب الأدب العربي القديم يلحظ في بعضها رصداً للأخلاق التي ينبغي التحلي بها أمام الملوك، والأمراء، والرؤساء، ومن يطالع كتاب (التاج في أخلاق الملوك) مثلاً، يجد فيه تفصيلاً دقيقاً لما يجب القيام به من آداب، كما في طريقة الدخول على الملوك والأشراف، وآداب مجالستهم، ومطاعمتهم، وشرف مؤاكلتهم، والحديث معهم، وحسن الاستماع إليهم، ومراعاة حرمتهم في حضورهم وغيابهم، وإغضاء البصر عندهم، وخفض الصوت بحضرتهم، وآداب مسايرتهم، وكيفية تهنئتهم، وتعزيتهم، وإرضائهم، وحفظ أسرارهم.
ونجد في (الأدب الصغير) تسجيلاً لبعض الآداب المهمة مع الملوك والأمراء، كبذل الطاعة لهم، وكتم سرّهم، وتزيين سيرتهم، والذبّ باللسان واليد عنهم، وتوخي مرضاتهم، والإيثار لآرائهم وأهوائهم، ومخالفة من جانبهم وجهل حقهم، أو استخفّ بشيء من أمورهم، أو انتقص شيئاً من حقوقهم، وعدم التثاقل عن طاعتهم، وأن على الإنسان أن لا يبطر إذا أكرموه، ولا يجترئ عليهم إذا قرّبوه، ولا يطغى إذا سلّطوه، وأن لا يستقل ما حمّلوه، ولا يعتز عليهم إذا رضوا عنه، ولا يتغيّر لهم إذا سخطوا عليه، وأن يحمدهم على ما أصاب من خير منهم.
ولأهمية هذا الأمر أيضاً نجد ابن قتيبة (ت275هـ) في كتاب (عيون الأخبار) يستفتحه بالحديث عن (السلطان، ومحله، وسيرته، وسياسته) فيسوق بعض الشواهد، والأمثال، والأخبار الأدبية التي تشير إلى عِظَم مكانة الحاكم، وبيان فضله ومنافعه، من قبيل: «مَثَلُ قليل مضارّ السلطانِ في جنبِ منافعه، مثل الغيث الذي هو سُقيا الله، وبركات السماء، وحياة الأرض، ومن عليها...»، كما ساق ابن قتيبة باباً في (صحبة السلطان وآدابها)، ومما جاء فيه: «إذا جعلك السلطانُ أخاً، فاجعله أباً، وإن زادك فزده»، ومن ذلك أيضاً: «وإذا كلّمكَ فاصْغِ إلى كلامه، ولا تَشْغَل طرفكَ عنه بنظر، ولا قلبكَ بحديث نفس».
كما استهل ابن عبد ربه الأندلسي (ت328هـ) كتابه المشهور (العقد الفريد) بكتابٍ سمّاه (اللؤلؤة في السلطان)، أسهب فيه بموضوعات، وأخبار، ووصايا، وأشعار، يدور أكثرها حول لزوم طاعة السلطان، وأنها فرضٌ واجبٌ، وأمرٌ لازمٌ، وأنها من الدين، والمروءة، كما أورد في كتابه هذا بعض الحكم والمرويات الأدبية، التي تعلي من قدر الحاكم وقيمته، وترفع من درجة هيبته، وأبّهته.
إن حبَّ الحاكم، وحب الوطن، ومعرفة الآداب المتعلقة بذلك، موضوعات أدبية، غزيرة، ونفيسة، ولأن الأدب ينمّي العقول، ويهذّب النفوس، فإنني أوصي نفسي، وغيري، من الباحثين في المجال الأدبي بكشف تلك المواطن القيمة التي تجمع بين جماليات عدة: كالانتماء، والولاء، والإيثار، والإخلاص، والأدب، والتأدب، والالتزام، والانتظام، وجماليات أخرى كثيرة.




http://www.alriyadh.com/1892911]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]