تكاد تكون "السعادة" الأكثر نقاشاً بين المفكرين والفلاسفة، ناهيك عن كتب التحفيز الإداري، وبقدر ما قرأت من كتب تناولت أسبابها وموانعها، بقدر ما تيقنّت أن كتاب "انتصار السعادة" للفيلسوف البريطاني "برتراند راسل" يكاد يكون أبرزها، وأكثرها قابلية للتنفيذ، والاقتراب من الهدف المنشود.
يتناول عالم الرياضيات والمؤرخ البارز قسطاً من تجربته الشخصية قبيل بلوغه الستين من عمره، إذ إنه لم يكن سعيداً في مقتبل عمره، غير أن حبه للرياضيات كان سبباً لتدرج استمتاعه بالحياة، وهو ما دونه في كتابه المفعم بنصائح الفيلسوف ذي التجربة الغنية بإعمال العقل، والغوص في النفس، المتجرد عن العواطف والأحكام المسبقة.
يرى "راسل" أن "السعادة ليست شيئاً يسقط في الفم كالثمرة الناضجة"، بل تحتاج الكثير من الجهد والشغف، لذا قرن السعادة بضرورة الانتصار في عنوان كتابه، وصنّفها إلى نوعين بينهما درجات متفاوتة، أحدهما بسيط والآخر وهمي، أحدهما حيواني والآخر روحاني، أحدهما للقلب والآخر للرأس.
في الجزء الأول من كتابه يتناول الأسباب التي تجعل الناس تعساء، كالتنافس، والملل والإثارة، والإعياء سواء البدني أو العصبي، والحسد، وحاسة الإثم، وهوس الاضطهاد، والخوف من الرأي العام، وفي كلٍ منها يبحر في أعماق النفس البشرية، ثم يقدمها كما لو كانت معادلة رياضية متتالية.
ثم يتنقل إلى جزئه الثاني، وهي مسببات السعادة، ويدهشنا بسؤاله: "ألا تزال السعادة ممكنة؟" ويجيب بإمكانية ذلك، متى ما جعلت اهتماماتك واسعة قدر الإمكان، وردود أفعالك ودودة غير عدائية بأقصى درجة ممكنة تجاه الأشياء والأشخاص الذين يهمونك.
ثم يُسهب في مسببات السعادة، من التلذذ في أمور الحياة إلى الحب، كون انعدام التلذذ قد يكون بسبب إحساس المرء أنه غير محبوب، بينما الإحساس بالحب يزيد القدرة على التلذذ أكثر من أي شيء آخر! ثم يتناول أثر الأسرة، ثم العمل الذي قد يحمل التعاسة والسعادة معاً، وذلك وفقاً لنوعه وشدته.
يركز كثيراً على دور "الاهتمامات غير الشخصية" في تحقيق السعادة، إذ إن الفيلسوف الجهبذ يعتبر أن أحد أهم أسباب التعاسة والإعياء العصبي هو انعدام القدرة على الاهتمام بأي شيء ليس له أهمية عملية على حياة المرء الخاصة! ويؤكد أن "يهدف الإنسان الذي ينشد السعادة بحكمة إلى أن يمتلك عدداً من الاهتمامات المساعدة بالإضافة إلى الاهتمامات الرئيسة التي تبني عليها حياته".
ثم يعرج على السعادة من خلال المجهود والتراخي، ويؤكد أن السعادة تعتمد ليس فقط على الظروف الخارجية، بل حتى الشخص نفسه! لذا فتحقيقها يحتاج التأمل في عالمنا الداخلي، والسعي لتجاوز مسببات التعاسة، وخلق مسببات السعادة داخلياً وخارجياً.
من الممكن أن نتفق أو نختلف مع ما طرح "راسل"، إلا أنه لا يمكن نكران تقديمه لخلاصة تجربة شخصية ثرية لرحلة سعادة ناجحة، وأن الكثيرين من التعساء –أو على الأقل فاقدي السعادة- سيجدون ضالتهم بين دفتي الكتاب.
http://www.alriyadh.com/1893026]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]