في بلادنا كانت العادات والتقاليد تعزز من شيم العرب، بل وتعزز من كرامة المرأة التي ترغب في الزواج، ولذا كانت هناك نسوة يدخلن البيوت تستعين بها الأسر المحافظة، في انتقاء العروس (الخاطبة)..
للمرأة العربية مكانتها التي يجب أن لا نعبث بها، وأن لا يمسها ذلك الطفح العولمي، الذي بات يهدد عرشها والتي تميزت به بين نسوة العالم.
قد يقول قائل إن لنساء العرب تاريخ من السبي والقهر، لكننا -ولكي لا يكون قولنا مجروح في هذا المقام- نستشهد بقول فضيلة الشيخ صفي الدين المباركفوري في كتابه الرحيق المختوم حيث يقول: "كانت في العرب أوساط متنوعة، تختلف أحوال بعضها عن بعض، فكانت علاقة الرجل مع أهله في الأشراف على درجة كبيرة من الرقي والتقدم، وكان لها من حرية الإرادة ونفاذ القول القسط الأوفر، وكانت محترمة مصونة تسل دونها السيوف، وتراق الدماء، وكان الرجل إذا أراد أن يمتدح بما له في نظر العرب المقام السامي من الكرم والشجاعة لم يكن يخاطب في أكثر أوقاته إلا المرأة، وربما كانت المرأة إذا شاءت جمعت القبائل للسلام، وإن شاءت أشعلت بينهم نار الحرب والقتال، ومع هذا كله فقد كان الرجل يعتبر بلا نزاع رئيس الأسرة، وصاحب الكلمة فيها، وكان ارتباط الرجل بالمرأة بعقد زواج تحت إشراف أوليائها ولم يكن من حقها أن تفتات عليهم".
هذا هو تاريخ الشرف بين أشراف العرب، وتاريخ المرأة العربية التي سبقت به الأمم في هذا المقام الرفيع، بينما كانت المرأة -آنذاك- عند الإغريق على سبيل المثال مسلوبة الحرية والإرادة وحتى المكانة الاجتماعية وخصوصاً في المراحل التاريخية الأولى منه حتى أنه لا يمكن يسمح لها بمغادرة البيت كما جاء في كتاب "تاريخ النساء في الغرب" لعدد من المؤرخين. حتى أن الكاتب النرويجي المسرحي هنريك يوهان إبسن (Henrik Johan Ibsen؛ 20 مارس 1828 - 23 مايو 1906) قد كتب عمله المسرحي بيت الدمية ليعالج ذلك الواقع الاجتماعي المرير للمرأة في بلاده بل وفي أوروبا كلها يقول أحد النقاد في هذا الصدد: "وصف النقّاد مسرحية ابسن بالقنبلة الموقوتة، حيث تفجّر قضية هامة وتثير ردود فعل عنيفة، فقد اختار إبسن "تمزيق الأقنعة" كلها وكشف الزيف الاجتماعي داعياً إلى الاعتدال والوسطية بعيداً عن التطرف. ففي عام 1879 عرضت مسرحية بيت الدمية والتي أثارت غضب المشاهدين فرموا الممثلين بالطماطم معتبرين المسرحية إهانة تمس بمكانة المرأة، وتهدد الطمأنينة العائلية إذ ترفض "نورا" الزوجة قليلة الخبرة أن تحيا حياة زائفة مع زوجها المثقف وتكتشف أنه لا يكن لها احتراماً حقيقياً ولا يؤمن بحقها في أن تفكر أو تتخذ أي قرار". ولقد وصف النقاد أن صفعة باب نورا وراءها حينما خرجت من المنزل، قد هزت جميع أركان أوروبا بحسب قولهم.
ومن ذلك نستشف تقدم ورقي تاريخ المرأة العربية وما به من شموخ حضاري تزهو به بين الأمم. لكننا وفي هذه الآونة نستطيع القول إنه قد تمت تعمية هذا التاريخ وتحت ستار الحقوقيين والجندريين وغيرهم. هذا التاريخ ينبغي إذكاؤه في الذهنية النسوية العربية أمام هذا الطفح وهذا الزبد والغثاء الوافد والذي تموج به ثقافات متعددة، ذلك أن الذهنية النسوية في بلادنا قد تحتاج لهذا التنوير وخاصة في وقتنا هذا.
في بلادنا كانت العادات والتقاليد تعزز من شيم العرب، بل وتعزز من كرامة المرأة التي ترغب في الزواج، ولذا كانت هناك نسوة يدخلن البيوت تستعين بها الأسر المحافظة، في انتقاء العروس (الخاطبة) فعلى استحياء تسمعها والدة العروس أو أم العريس لاختيار الزوج أو الزوجة من بين العائلات وفي مناخ محموم بالشرف وبالأعراف وبالتقاليد وهذا آخر ما تصل إليه الأمور.
لكننا في هذه الأيام نقرأ خبراً مؤسفاً للغاية يقول: "استدعت النيابة العامة مجموعة من أصحاب الحسابات في وسائل التواصل الاجتماعي امتهن القائمون عليها نشر إعلانات الزواج بطرق تمس بكرامة المرأة وتسيء لرابطة الزوجية التي يصونها الشرع والنظام، وباشرت دائرة التحقيق في قضايا جرائم الإنترنت المعلوماتية بالنيابة العامة التحقيق مع أصحاب هذه الحسابات بتهمة إعداد وإرسال ما من شأنه المساس بالقيم الدينية والآداب العامة. وكان مركز الرصد النيابي قد رصد مجموعة من الحسابات في منصات متعددة في وسائل التواصل عبر الشبكة المعلوماتية تناولت عرض محتوى وصور افتراضية تمس القيم الدينية والآداب العامة" انتهى الخبر.
من المسؤول عن هذه الأفعال باذخة الابتذال، وكيف يمكن العبث بالقيم المتوارثة والتاريخ العتيق الذي نقتات عليه؟ فيما نعتقد، أن المسؤول الأول وفي هذا المقام هو الوعي والتنوير وإذكاء روح التاريخ النسوي العربي الذي يجعلها تعرف قيمة ذاتها (هي ذاتها فقط) أمام العالم، ففي تمازج الثقافات وانتشار الثقافة الرقمية وجب علينا الاهتمام بالوعي والتنوير لأنه الوحيد ذلك السياج الذي يقينا من الزلق في وحل الغفلة والتقليد والانفلات بلا معرفة مسؤولة.!




http://www.alriyadh.com/1898790]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]