لتعزيز القوة الناعمة أشكال متنوعة ووسائل مؤثرة، وأحد أهمها: التواصل المباشر مع النخب والقادة الحاليين والمحتملين، بواسطة تعميق التبادل الثقافي، وإطلاعهم على تقدم وتنوع البلاد، وهو ما تَبرع به الولايات المتحدة الأميركية منذ الأربعينيات، عبر ما يعرف ببرامج: "الزائر الدولي"
بدأت أولى تلكم التبادلات الثقافية حينما قام منسق الشؤون التجارية والثقافية الأمريكي لجمهوريات أمريكا الجنوبية بتشجيع صَحفيين من تلكم الدول لزيارة بلاده عام 1940م، ثم تلا ذلك دعوة أبرز موسيقيي أمريكا اللاتنيية لزيارة أستديوهات "سي بي إس" في نيويورك، ثم توالت الدعوات وتطورت برامج الزيارات، حتى استقلّ برنامج التبادل، وأسس مكتب العلاقات التعليمية والثقافية عام 1959م.
حققت هذه البرامج نجاحاً متصاعداً وأثراً ملموساً في نشر ثقافة "البرغر والكولا"، وتفهّم خلفيات مواقف السياسات الأمريكية، والتدخلات في المشهد الدولي، والأهم التأثير الإيجابي على جموع متصاعدة من قيادات العالم، مما حدا بالكونغرس ليمرر قانوناً للتبادل الثقافي، ينص على زيادة البرامج الحكومية لتحسين التفاهم المتبادل بين مواطني الولايات المتحدة والدول الأخرى، لذا لعبت هذه البرامج بعد توسعها دوراً حيوياً خلال الحرب الباردة وما بعدها كذلك.
اليوم ونحن في ظل زعامة بلادنا للعالمين العربي والإسلامي، ومع تقدم رؤية 2030، وتحقيق الكثير من مستهدفاتها، أضحى من اللازم استحداث نسخ سعودية من برامج "الزائر الدولي"، حتى تحقق قوتنا الناعمة وصولها، ونعزز من فهم وإدراك الآخر لمنطلقاتنا وخلفياتنا، وتطور بيئة أعمالنا، ولنستطيع نقل صورة حقيقية عن حراكنا الوطني وتنميتنا المستدامة، وإسهامنا الإيجابي في السلام والازدهار الدولي.
يقترح أن يقود حزمة هذه البرامج "وكالة الدبلوماسية العامة" في وزارة الخارجية، بالتنسيق مع الجهات الحكومية ذات الاختصاص، بحيث يكون لدينا العديد من البرامج الرئيسية والفرعية المتخصصة، تستهدف مختلف القيادات الشابة من كافة أنحاء العالم: السياسية، الثقافية، الفنية، الأكاديمية، العلمية، الرياضية، الإعلامية وغيرها، مقترنة ببرنامج واضح المعالم من ورش العمل التفاعلية والزيارات الميدانية، والتواصل المباشر مع المختصين والجمهور كذلك، مع تطوير مستهدفات ورسائل مركزية، وكذلك مؤشرات أداء وآليات قياس الأثر، حتى نتمكن من تطوير البرنامج ومحتواه بشكل دوري، مع التركيز على تأسيس وتفعيل جمعيات للمشاركين بهدف استمرار التواصل الفعّال معهم بعد نهاية البرنامج.
دعونا نتصور زيارة عدة مئات ثم آلاف من القيادات الحالية والمستقبلية إلى مختلف مناطق بلادنا، ورؤيتهم بأنفسهم لما يحدث في بلادنا وما نقدم للعالم، احتكاكهم المباشر مع شبابنا المعتدل ومُبدعينا المميزين، نقاشهم وإدراكهم لثقافاتنا المتنوعة، تعرفهم عن قرب على تقدمنا العلمي واقتصادنا الحيوي، دون أن ننسى حُسن استقبالنا وكرم ضيافتنا، حتماً سوف يؤثر ذلك على تحسين صورة المملكة وتسويق زعامتنا للمنطقة، وعلى إدراك تطلعاتنا المتوافقة مع تقدم البشرية، وجهودنا الدائمة لإرساء دعائم الأمن والاستقرار الدولي، وتعزيز التنمية البشرية.




http://www.alriyadh.com/1914527]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]