حين استقبل الرئيس اللبناني الأسبق شارل حلو (1964-1970) وفداً من الصحافيين اللبنانيين حيّاهم بعبارة شهيرة قائلاً: «أهلا بكم في وطنكم الثاني لبنان». وبهذه العبارة لخص الرئيس الحلو (الصحافي والسياسي) المخضرم حال الإعلام (ضمير) النخبة اللبنانيّة. ومن العجيب أن شارل حلو نفسه جاء بديلاً لرئيس توافقت عليه النخبة النيابيّة اللبنانيّة اسمه «عبد العزيز شهاب» ثم غيّر البرلمانيون رأيهم صباح اليوم التالي بإيعاز خارجي ليصبح «شار حلو» رئيساً.
لا جديد في لبنان فمنذ نشأة الجمهوريّة اللبنانيّة في العشرينات حين عيّنت فرنسا أول رئيس للجمهوريّة اللبنانيّة «شارل دباس» في 26 مايو 1926 والذي قام بإيعاز من المفوض السامي الفرنسي «هنري بونسو» بتعديل الدستور ليمدد رئاسته ثم حلّ المجلس النيابي وأقال الوزارة في مايو 1932 ثم اضطر إلى الاستقالة العام 1934 ليعود المندوب الفرنسي لتعيين «حبيب باشا السعد» ثم أتى بعده بالرئيس الثالث «أميل أده» وكان والده وجده يعملان مترجمين ووسيطَين في القنصليّة الفرنسيّة في دمشق. أما «أده» فكان يعمل قبل رئاسته «مستشاراً» ومحامياً للقنصليّة الفرنسيّة في بيروت. ولا تعجب حين تعلم أنه كان من بين موظفي مكتب «أميل أده» للمحاماة بشارة الخوري وكميل شمعون اللذان توليا رئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة بالتتابع بعد إعلان «استقلال» لبنان عن فرنسا!
وتجري بقيّة أحداث الرؤساء وتعيينهم بتوافقات وموافقات جهات خارجيّة حتى كان اتفاق الطائف (1989) الذي أسس لمرحلة لبنان العربي وتوزيع المناصب حصصاً على طوائفه.
وحين تسلّل العنصر الفارسي إلى لبنان بشكل واضح بدءاً من العام 1982 بدأ تركيزه على مفاصل سياسيّة وطائفيّة حتى باتت الكلمة الفصل في الشأن اللبناني إيرانيّة بقوة سلاح ميليشيات «حزب الله» ففرضت أسماء وشطبت أسماء واستقطب الملالي دمى «النخبة اللبنانيّة» من ذات اليمين واليسار. واليوم لا يمكن أن يجد نخبوي لبناني يملك طموحاً حظه في المناصب والمكاسب من دون مباركة «حزب الله».
وتأسيساً على هذا كله فلم تكن غريبة أو مفاجئة مواقف بعض «النخبة» اللبنانيّة من دول الخليج العربي أو من السعوديّة تحديداً، فهذه قرابين ومستحقات الولاء والرضا الفارسي ضمن شروط «التمتع» السياسي في لبنان. وفي لبنان حيث تأصلت فكرة «كل شيء للبيع» فإن أرخص البضائع التي يسوّقها السياسي والنخبوي اللبناني المتطلّع للصفوف الأماميّة هي تجارة الضمير بوصفه «سلعة» أمكن «تاريخياً» في لبنان وحده إعادة تدويرها وتغليفها وبيعها لمن يدفع الثمن.
في لبنان الجريح ومع النخبة اللبنانيّة أصبح الوطن حقيبة ظهر، والهويّة مهنة، والمبدأ تداولاً رخيصاً في مؤشر البورصة.
مسارات
قال ومضى
الخائن.. من يقبض الثمن من روح الوطن.




http://www.alriyadh.com/1915996]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]