لم يكن أكثر المتشائمين تطيُّراً يتوقّع أن تؤول مصائر دولنا العربية والإسلامية بهذا التمزّق والتشرذم والشتات؛ بل إن حتى أكثر دهاة الغرب ومفكّريه، ممن كان يصوغ الأفكار ويرسم - بمكر ودهاء وذرائعية - بهدف الاستيلاء على مقدرات تلك الشعوب بعد تطبيق استراتيجيات الإفقار والهيمنة وغيرها من أطماع وأحلام لا تزال تلوح في عقول ومخيّلات الآخر الطامع.
لقد أتاح العرب والمسلمون لهذا الآخر المتربّص أن يمارس ابتزازه وتحقيق الكثير من أطماعه عبر استثمار هذا التشظّي وحالة الإنهاك التي تعيشها شعوبنا، وقد رأينا كيف أن تسيير شؤون بعض دولنا ومحيطنا العربي منوط بأصحاب الأحلام التوسّعية والتي لا ترقب في أحد منهم إلاً ولا ذمّة، ولا تضمر لها سوى الشّر وسوء المنقلب والمصير.
وفي الوقت الذي يسعى القادة الحكماء والعقلاء إلى إعادة موضعة هذا المحيط ورأب صدعه نجد إمعاناً ومكابرة وسوء إدارة للخلافات والمشكلات بطريقة تعمّق من هذا التشرذم والتفكّك.
ورغم فداحة الخسائر لتلك الشعوب المرتهنة لقرارات الغير؛ وفظاعة وتردّي الخدمات وسوء أحوال شعوبها وحالة الفقر والأمراض التي طالتها فإنها تزيد من عمق الجراح وتواصل - بعنجهية وصلافة - حالة الافتراق عن جهود العقلاء في لمّ الشتات ورأب الصدع؛ بل إن الكثير منهم ما زال يمارس أنانية وغباءً سياسياً مفرطاً؛ ضارباً عرض الحائط بمصير شعبه واستقراره ورفاهه وتحقيق أبسط احتياجاته الإنسانية.
إن حالة الضياع وجحيم اللادولة التي تعيشها بعض أقطارنا العربية ما هي إلا نتاج الصلف والغرور والارتهان لذوي الأحلام التوسعية الذين وجدوا ضالتهم في قيادات هشة وكيانات سياسية متداعية، ما يجعلها فرصة سانحة لكل طامع.
ولعل هذا التمزّق البادي للعيان يوقظ الغافلين من سباتهم؛ علّهم يتداركون ما تبقى من كرامة شعوبهم، ويحاولون - وإن كان متأخّراً - أن يعيدوا قراءة سياساتها، ويضعوا مصالح بلدانهم وشعوبهم في مقدمة أولوياتهم بعيداً عن النزق السياسي والطابع المغامراتي والبهلواني القافز على الحقائق وعلى سويّة العمل السياسي وقبلها الإنساني الذي يخدم شعوبهم ويقيهم من جحيم اللادولة الذي تتلظّى لهيبه.
http://www.alriyadh.com/1918644]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]