العنصرية بجميع أشكالها باقية ما بقي الإنسان، تبقى معه مهما تحضر وتعلم وفي أي دولة يعيش، لذا فالدولة الوطنية بحاجة إلى قانون صارم يجرّم المذهبية وكل أشكال العنصرية وخطاباتها التحريضية..
تعرض العالم العربي لمؤامرة كبيرة غزلت خيوطها منذ زمن طويل تمهيداً لقيام إسرائيل ثم سيادتها على المنطقة فيما بعد، فمنذ التفكير في جعل فلسطين بلداً لليهود والمؤامرات تتوالى، واتضحت أكثر بعد قيام دولة إسرائيل حيث بدأت الانقلابات العسكرية في الدول الكبيرة المجاورة لها، وتم التشجيع على إنشاء الأحزاب الدينية والقومية كالإخوان المسلمين وحزب البعث وأخيراً حزب الله لتفكيك الدولة الوطنية، وتعرض العراق بشكل خاص لتدمير ممنهج، بدأ بترحيل حوالي 20000 يهودي من ألمع العقول وأنشطها إلى فلسطين، ثم توالت عليه النكبات من أبنائه على شكل انقلابات عسكرية وحروب عبثية انتهت بغزو العراق وتسليمه لإيران، ولم تسلم سوريا من التدمير على أيدي قادتها.
واتضحت المؤامرة أكثر بقيام الثورة الإيرانية وتبني سياسة تصدير الثورة، ليدخل العالم العربي مرحلة الصراع الديني بين السنة والشيعة كما كان في أوروبا بين الكاثوليك والبروتستانت، ومعلوم أن الحروب الدينية لا تنتهي بسهولة. قامت الثورة الإيرانية بدعم كبير من الخارج، ونفذت ما أوكل إليها، فعزفت على وتر المذهبية والطائفية لتجيبها الجماعات السنية المؤدلجة بمحاولات إقصاء المواطن الشيعي للدفع به إلى إيران التي استغلت ذلك فأوجدت حزب الله في الضاحية الجنوبية من بيروت، والحوثيين في صعدة، وأكثر من عشرة أحزاب في العراق أهمها حزب الدعوة المتحكم بالسياسة منذ 2005، يليه المجلس الأعلى الإسلامي العراقي بقيادة عمار الحكيم، ثم دخلت إلى سوريا من أوسع أبوابها، كما حاولت الدخول إلى البحرين، ولم تنجح بسبب يقظة الحكومة البحرينية ودعم المملكة، وقد عانت الكويت من ولاءات البعض للجماعات الدينية والقبلية، وقيام حزب الله بتكديس الأسلحة والمتفجرات كما ورد في مقال الأستاذ أحمد الصراف في جريدة القبس الكويتة تحت عنوان: "حيرة الشيعة في الكويت" وهو مقال متوازن يستحق أن يدرس بعناية من قبل مسؤولي كل دولة لديها أقليات دينية أو عرقية أو قبلية، فهو مقال متوازن وضع فيه اللوم على المؤدلجين من السنة والشيعة، وعلى من جعلوا ولاءهم للقبيلة على حساب الوطن. وهذا برأيي هو دور المثقف.
واجب المثقف هو تفعيل التفكير العلمي والنقدي ليستطيع أن يكشف المسلمات والبديهيات السائدة في المجتمع ومعرفة مدى صحتها وفائدتها وأضرارها. وواجبه أيضاً أن يبحث عن كل ما يهدد الأمن الداخلي، ويكشف المخططات التي تحاك ضد بلده لأغراض سياسية أو اقتصادية.
لعالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي تعريف جميل للمثقف يفرق فيه بينه وبين المتعلم فالمثقف لديه مرونة في التفكير وقدرة على التحليل والاستنتاج والبحث عن الحقيقة، بينما المتعلم شخص يحمل شهادات عليا في تخصصه المهني، لكنه لا يخرج عن النطاق الفكري الذي تشبع به منذ الصغر، يدافع عنه بشراسة ويقرأ كل ما يعزز أفكاره ومسلماته ليزداد يقيناً بما يؤمن به.
غياب المثقف العربي أسهم في جعل دولة قيادتها مغرقة في التخلف تسيطر على أربع دول عربية، مستخدمة الطائفية تارة والتهديد والقتل تارة أخرى، ففي لبنان تمت تصفية القائد الشيعي موسى الصدر لأن توجهه العربي جعله يرفض تنفيذ أجندتها في لبنان، كما قامت بتصفية رئيس الوزراء رفيق الحريري لأنه أثبت نجاحه اقتصادياً بدعم من المملكة، وحاز على حب اللبنانيين له، حيث تعامل مع جميع مكونات المجتمع اللبناني سواسية، وهذا يتعارض مع خطط إيران والنظام السوري في لبنان. ومثل ذلك حصل في اليمن حيث تمت تصفية الرئيس الراحل علي عبدالله صالح حين حاول أن يتخلى عن الحوثيين ويحاربهم. إضافة إلى تصفية العشرات من المعارضين للتمدد الحوثي ونشر أفكاره المغرقة بالتخلف والعنصرية.
من يقرأ التاريخ جيداً يعلم أن الحل لمشاكل العالم العربي هو في وجود حكومة مدنية قوية وعادلة. حكومة تضع رؤيتها وبرامجها لرخاء شعبها، وتنمي الاقتصاد وتكافح الفساد، دولة يعيش المواطنون فيها سواسية في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص، أما الجماعات الدينية المؤدلجة والأحزاب القومية فهي لا تريد الدولة الوطنية، لأن هذا ضد توجهاتها وولاءاتها التي تملى عليها من قيادات خارج أوطانها.
العنصرية بجميع أشكالها باقية ما بقي الإنسان، تبقى معه مهما تحضر وتعلم وفي أي دولة يعيش، لذا فالدولة الوطنية بحاجة إلى قانون صارم يجرّم المذهبية وكل أشكال العنصرية وخطاباتها التحريضية.




http://www.alriyadh.com/1923320]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]