إن العرب بحاجة ماسة لأن تكون سياساتهم مبنية على تغليب المصالح العليا للأمة العربية. وهذا يعني أن تكون علاقاتهم الدولية مع الأمم الأخرى –القريبة والبعيدة– أساسها تعزيز الأمن القومي العربي، وهدفها خدمة المصلحة العربية العليا، وغايتها توحيد الصف العربي داخلياً وخارجياً..
دروس التاريخ -القريب والبعيد- خيرُ مُعلم إن تمت قراءتها بعمقٍ فكري، وإن تم استيعابها ووعيها بعقلانية شديدة تُحيَّد فيها العاطفة، ويُتجنب بفضلها التسرع والاندفاع. فإذا تحققت هذه المعادلة السياسية، والمنهجية الفكرية، المبنية على علمٍ أصيل، وثقافةٍ رصينة وبناءة، فإن عناصر التفوق ستتضح بجلاء، ومُسببات الإخفاق والضعف ستتبين وتتكشف، وطرق النصر ستُبصرها بِجلاء أعين الحكماء والعُقلاء، وأصحاب البصيرة وبُعد النظر. فإذا كانت دروس التاريخ هذه خير مُعلم، فإن أولى الأمم من الاستفادة منها هي الأمة العربية لأن هذه أراضيهم الممتدة تمثل عمق التاريخ، وأصل الثقافات والحضارات، ومنبع الأديان السماوية، وميدان الصراعات السياسية والتجارية والعسكرية بين أتباع الثقافات والحضارات المُتعددة، والموطن الرئيس لمصادر الطاقة العالمية، والمنطقة الجغرافية المتوسطة لقارات ومواطن الأمم الأخرى، بالإضافة لكثير من الامتيازات والسمات التي جعلت من هذه المنطقة العربية مطمعاً للأمم الأخرى شرقاً وغرباً. فإذا كانت المنطقة العربية بهذه المكانة التاريخية العظيمة، وموطناً للدروس التاريخية الصعبة والقاسية والمريرة، فإنه من الأولى أن تكون هذه المنطقة النموذج لمناطق العالم من حيث امتلاك مصادر القوة التي ستقود إلى متانة في الاستقرار السياسي، ومكانة في القدرة الاقتصادية والمادية، ونموذج للسلم الاجتماعي. إلا أن الحاضر والواقع المُعاش يُثبت خِلاف ذلك تماماً على الرغم من أن هذه المنطقة تملك جميع العناصر المكونة للقوة والممكنة للمنطقة العربية!
فإذا أيقنا أن المنطقة العربية تملك جميع العناصر المكونة للقوة –والقوة هنا ليست بمعناها المُجرد وإنما بمعناها المُركب–، والممكنة للمنطقة العربية –لتتفوق وتتصدر الأمم–، فإن هذا اليقين لن يؤدي إلى نتيجة إيجابية إن لم يُدرِك العرب عناصر وعوامل تميزهم، وإن لم يتم تفعيل متطلبات القوة التي يملكونها. فإذا كان كذلك، فما هي متطلبات القوة العربية؟
إن أهم متطلبات القوة العربية هو الإيمان اليقيني بوحدة المصير المبنية أسسها على الإنكار التام للذات، والإلغاء المُباشر للمصلحة الأحادية، والابتعاد عن الحسابات الشخصية، وتغليب المصالح العليا للأمة العربية، والعمل بالأسباب المُعززة لوحدة الشعوب العربية ولأمن وسلم مجتمعاتهم. فإن تحقق الإيمان بوحدة المصير، أصبح تحقيق باقي متطلبات القوة العربية –السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية– ممكناً ومتاحاً.
إن الإيمان بوحدة المصير سيقود مباشرةً المنطقة العربية لأن توحد استراتيجياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والعسكرية –وغيرها من مجالات– لتتمكن من تعريف التحديات المشتركة تعريفاً دقيقاً، ولتتمكن من استثمار الفرص المتاحة باحترافية عالية.
إن العرب بحاجة ماسة لأن تكون سياساتهم مبنية على تغليب المصالح العليا للأمة العربية. وهذا يعني أن تكون علاقاتهم الدولية مع الأمم الأخرى –القريبة والبعيدة– أساسها تعزيز الأمن القومي العربي، وهدفها خدمة المصلحة العربية العليا، وغايتها توحيد الصف العربي داخلياً وخارجياً. وهذا المتطلب لا يتنافى إطلاقاً مع الحقوق المشروعة في إقامة علاقات ثنائية، إلا أنه يشترط أن لا تكون هذه العلاقات قائمة على حساب السياسات والحقوق والمصالح العليا للعرب مهما كانت الأسباب والمسببات والتبريرات.
وإن العرب بحاجة ماسة لأن تكون اقتصاداتهم قوية ومتينة ومبنية على أسس صحيحة وسليمة لتتمكن من التكامل فيما بينها، ولتُحقق التنمية التي تقود لقوة ومنعة المنطقة العربية. فالعرب جميعاً بإمكانهم أن يكونوا قوة اقتصادية أولى عالمياً إن أحسنوا استثمار الثروات العظيمة التي تختزنها أراضيهم الممتدة، وإن أبدعوا في توظيف مواقعهم الجغرافية المُشرِفة على خطوط المواصلات العالمية البحرية والجوية والبرية.
وإن العرب بحاجة ماسة لأن تكون مجتمعاتهم متماسكة وقوية وبعيدة عن التجاذبات الطائفية والمذهبية. وهذا يعني أن على العرب أن يعملوا يداً بيد في سبيل تعزيز اللحمة الداخلية في مجتمعاتهم، وأن يقفوا صفاً واحداً في وجه كل من يسعى لزعزعة أمن وسلم مجتمعاتهم، وأن يوظفوا امكاناتهم وقدراتهم ووسائل اعلامهم لتعزيز وحدة الشعوب والمجتمعات العربية، وأن يفضحوا ويُشهروا بكل من يُريد زرع الفتنة وشق وحدة الصفوف العربية.
وإن العرب بحاجة ماسة للاستفادة العظيمة من الموارد البشرية العربية المؤهلة لأنها الأكثر اخلاصاً للعرب، والاقدر على فهم احتياجات العرب، والاجدر بالتقدير لحرصهم ووفاءهم لأمتهم. فالمنطقة العربية التي أنفقت على تعليم ورعاية وتأهيل أبنائها على مدى عقود حتى نالوا أعلى الدرجات العلمية والمهارات المعرفية والتكنولوجية –ومنهم من وصلت شهرته للعالم أجمع–، أولى بأن تستثمر في أبنائها العرب ليُساهموا في بناء وتنمية وتحديث وتطوير مُجتمعاتهم العربية.
وإن العرب بحاجة ماسة لأن تتوحد جهودهم الأمنية ليتعزز أمنهم وسلمهم واستقرارهم الاجتماعي والسياسي. وهذا يعني أن يعمل العرب جميعاً مع بعضهم البعض لمواجهة أعدائهم –القريبين والبعيدين– السَّاعين لزعزعة أمن وسلم واستقرار العرب عن طريق زرع الفتن داخل المجتمعات العربية باستخدام الخلايا التجسسية، بالإضافة للمليشيات الطائفية، والأحزاب المذهبية، والتنظيمات والجماعات المتطرفة والارهابية، التي تستهدف أمن وسلم واستقرار العرب.
إن الإشارة إلى هذه المُتطلبات المتعددة لا يعني أنها هي المُتطلبات الوحيدة للقوة العربية التي تنشدها المجتمعات العربية جميعها، إلا أنها حتماً هي متطلبات أساسية ورئيسية لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهلها أو تجاوزها أو التغاضي عن أهميتها للمجتمعات، وخاصة العربية. وفي الختام من الأهمية القول بأن على العرب أن يُدركوا بأنه في الوقت الذي ينشغلون فيه بمسائل جانبية تستنزف قدراتهم وامكاناتهم ومواردهم، وتعطل بناء اقتصاداتهم ومجتمعاتهم، فإن اعدائهم –القريبين والبعيدين– يعملون باستراتيجيات مدروسة هدفها الرئيس تفريق وحدة صف العرب، وزرع الفتنة الداخلية بينهم، وتقسيم مجتمعاتهم على أسس طائفية ومذهبية، لضمان ارهاق العرب سياسياً، واضعافهم اقتصادياً، وانهاكهم أمنياً، ليسهل عليهم بعد ذلك التحكم بمصير ومستقبل العرب، ويتمكنوا من سرقة ثروات وموارد الشعوب العربية. فإن تحقق الإيمان بوحدة المصير، سقطت خُطط الأعداء، ونهض العرب بعزمهم وقوتهم الذاتية ليكونوا سادة العالم كما كان أجدادهم على مدى سبعة قرون مضت.
http://www.alriyadh.com/1924065]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]