سعى هابرماس إلى تأصيل فكرة الأخلاق في الفعل التواصلي العام، ورأى أن هذه الركيزة مهمة للخروج من ضيق الفكر العمومي وتحيزات الأيديولوجيا الطاغية، والانتقال إلى فضاء يتسع للجميع، فالأيديولوجيات المغلقة لا خير في مشروعها إلا لمن يعتنقها. كانت أوروبا بداية القرن العشرين تعج بكثير من الأفكار المتحيزة، فالماركسية شاعت وأصبحت دينًا جديدًا يعطي يقينيات نهائية لا راد لها، والميتافيزيقيا أضحت مقرونة بأي مشروع حتى الناقد المفكك لها، والنفس مرتبطة بالجنس والطفولة عند فرويد وأصحابه، فجاءت مدرسة فرانكفورت لتحاول فك هذه التحيزات، لكنها في مرحلتها الأولى لم تكن جديرة بأن تصل إلى هذا الهدف الكبير، فجاءت المرحلة الثانية مع هابرماس لتحاول جاهدة أن تسد الثغرات السابقة وتفتح المجال لكل فكرة بشروط عقلية. هذه الشروط العقلية جعلت مشروع هابرماس يعيد التحيز لكن بطريقة مختلفة، فهو يفتح الباب للجميع لكن بشروط، ومادمنا نتحدث عن شروط فنحن نتحدث عن تكرار لما أقام مشروعه على نقده؛ الدخول لمن يتطابق معي فقط!
إن الحرية المطلقة ما هي إلا تمرد مطلق، فلا وجود للحرية التي تتسع للجميع إلا في الأذهان، أما إذا نزلنا إلى الواقع فنحن أمام معطيات مختلفة تأخذ شكلًا تداوليًا يعطي الواقع العام أهمية تقنين ما يريد، فلا الواقع يتسع الذهنيات، ولا الذهنيات تتسع للواقع، وهنا تأتي أهمية العقد الاجتماعي ليضبط هذا الاختلاف والتنافر بين الإرادة الحرة والجماعية، ويقلل من نسبة الاغتراب الذي يشعر به الفرد، وكل ذلك من أجل مجتمع صحي متطور.
يبدو أن مواقع التواصل وفكرة العالم الذي أصبح قرية قد جعلت التصورات الذهنية تتجه إلى المستحيل التداولي، فتوسع الفرد في التقاط الصور والأفكار جعله يغرق في محيط تصوراته، ومحى فكرة المكان والزمان السابقين للتصورات، فبات يهدف من خلال خياله إلى حياة لا تتسع لمدركاته، وهنا سنعود إلى فكرة التحيزات التي تضيق الخناق على التداول العام، وسيبقى الإنسان في ضبابية دائمة بين ذاته والمواضيع التي تحوم حولها!
http://www.alriyadh.com/1924638]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]