قديماً وإلى وقت قريب كانت العائلات المسيحية المحافظة ترسل على الأقل واحداً من أبنائها الذكور إلى دير ما ليصبح رجل دين، فقد كان الاستثمار في الأولاد الاستثمار الوحيد المتاح خاصة بالنسبة للفلاحين البسطاء والفقراء في العالم أجمع، وكان وجود كاهن في العائلة يمنحها مكانة محترمة وإن لم تكن مرموقة.
هذا كان نصيب الصبي غاليليو الذي عهد به والداه إلى كاهن في فلورنسا لمدة سنتين قبل التحاقه بدير سناتا ماريا دي فالومبروسا، لكنّ مرضاً أصاب عينيه فاستعاده بعد فترة.
تميّز في طفولته بتركيب آلات صغيرة وصنع نماذج مما يراه، لكنّه لم يلفت نظر أحد إلى تميزه ذاك، حرص والده على تعليمه وقد أرسله حين كبر قليلاً إلى جامعة بيزا ليدرس الطب لكن غاليليو لم يهتم، كانت هناك أشياء أخرى تشغله فترك الجامعة وعاد إلى فلورنسا.
في تلك الحقبة اكتشفه صديق العائلة أستاذ الرياضيات أوستيلو ريتشي، وبدأ مساره العلمي يتطور سريعاً، رغم عشقه للموسيقى والفلسفة والأدب.
هكذا كانت الولادة العلمية لغاليليو المؤسس الأول للعلوم الحديثة، ورحلته العلمية الشيقة والصعبة، التي عانى خلالها الكثير حين اصطدم بالسلطة الكنسية التي كانت تتهم كل عالم أو فيلسوف بالهرطقة، وتعاقبه بشدة إذا خالف فكرها.
التليسكوب هو الابتكار الذي سيغير حياته واهتماماته ويغير وجه العالم، وكل النظريات التي سيطرحها فيما بعد ستؤسس لعلم فلك حقيقي، وهذا التليسكوب سيكون السبب في فهم حركة دوران الأرض ودوران الكواكب حول الشمس وانعكاس نورها على القمر، لكن في الوقت نفسه سيكون السبب المباشر لمعاقبته بالإقامة الجبرية التي سيقضي فيها بقية حياته، في البداية سيقوم بتدوين نظرياته واكتشافاته لكنه سيتوقف عند فقده بصره، بعدها بفترة وفي مثل هذا اليوم العام 1642 سينطفئ تماماً.
لم يتخلّ عنه تلاميذه، وظلُّوا إلى جانبه حتى آخر نفس. أمّا اعتذار الكنيسة منه فقد جاء متأخراً بأربعة قرون، بعد أن أثبت التطور العلمي والتكنولوجي صحة نظرياته.
كما تم إعلان عام 2009 عاماً عالمياً لعلم الفلك من قبل الأونيسكو، هيئة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة. تزامن ذلك مع الذكرى الأربعمئة لأولى ملاحظات فلكية قام بها غاليليو باستخدام التليسكوب، واكتشافاته الأولى حول الجبال القمرية والبقع الشمسية ومراحل كوكب الزهرة وأقمار كوكب المشتري.
غاليليو مؤسس علمي الميكانيكا والفلك، أطلق اسمه على اكتشافات فلكية كثيرة، كما تحوّل لملهم كبير لمبدعين عبر العالم، فقد أعاد أدباء ومسرحيون بناء حياته بشكل قصصي منها ما صدر في كتب ومنها ما عرض على المسرح وشاشات السينما، ولعلّ أجمل ما حملته حياته من رسائل للأجيال بعده هو إصراره على آرائه العلمية وعدم تراجعه عنها رغم ما كان يتهدد حياته،
بقي الآن أن أهمس لكم أن أصل اسم غاليليو هو «جليل» ومعناه عالي المقام.
http://www.alriyadh.com/1928406]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]