يوم التأسيس يوم مميز في تاريخنا نحن معشر السعوديين؛ إذ هو بدايتنا، وأساس انطلاقتنا، وهو مفتتح حضارتنا، ولكل حضارة بداياتها، ومن هنا يعد الأدب من أهم مظاهر التقدم لدى الحضارات؛ لأنه نابع منها، ومرتبط بظروف عيشها، ومن يتأمل جيداً في آداب الأمم والحضارات السابقة يدرك أن الأدب هو المظهر الأكثر وضوحاً في رسم تاريخ البلاد، ورصد ثقافاتها، ونسج بطولاتها، ووصف آثارها، وتحديد معالمها، وتعزيز هويتها، ونجد في تاريخ الجزيرة العربية وما نشأ فيها من آداب وثقافات متنوعة منذ القديم كمّاً هائلاً من الثراء الحضاري، والمعرفي، وتحديداً الأدبي.
ولعل من ذلك (الأدب السعودي) الذي يمكن أن نُرجِع بداياته إلى تاريخ نشأة الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ، وهكذا هو الأدب في مختلف عصوره، يبدأ عند مؤرخي الأدب ونقاده بتاريخ محدّد، وزمن ثابت؛ لهذا لا بد أن يرتبط الأدب السعودي بتأسيس الدولة السعودية الأولى، فينشأ معها، وينمو بنموها، ويزدهر بازدهارها، ويعلو بعلوها وتقدمها، وهو أمر مشاهد في واقع أدبنا السعودي الذي تكوّن لدينا، وتشكّل أمامنا، منذ أن وُلِد قبل ثلاثة قرون إلى أن وصل إلى ما نحن عليه اليوم من تطور كبير، كشفت عنه المدونات الأدبية والنقدية المتواكبة في مختلف أشكالها وألوانها.
لقد أشرق الأدب السعودي مع شروق هذه الدولة المباركة، فكانت أدواته حاضرة ومؤثرة بوضوح، ولو بحثنا في أجناس الأدب المعمّرة كالشعر، والخطابة، والرسائل لألفيناها مترافقة ومتزامنة مع تأسيس الدولة السعودية الأولى، بل كان لهذه الأجناس الأدبية أثر قوي تمثّل في كونها وسيلة من وسائل التواصل الحيوي بين الناس، فأما الشعر فقد وُجِد مع الشعراء الذين كانوا يحيّون الجهود المباركة التي قام بها مؤسسو الدولة السعودية، ويسهمون في تشجيعها، ورفع رايتها، وكذا الأمر بالنسبة للخطابة، فقد كانت بأنواعها نابضة وحية، ولا سيما في الخطب الدينية، كخطب الجمع، وخطب العيدين، كما كانت الرسائل مهمة جداً في التواصل بين الآخرين، سواء على المستوى الديني، أو السياسي، أو الاجتماعي؛ فالرسائل كانت عصباً من عصب الحياة في ذلك الوقت، وكانت ترد تحت مصطلحات كثيرة، كـ(الخط، الكتاب، الجواب، الرسالة، المكتوب، المرسول ..) ونحوها من الأسماء التي تكشف عن جوهر الرسالة ومحتواها.
وهنا أذكر نفسي ومعشر الباحثين، والدارسين في مجال الأدب ونقده بضرورة تكثيف دراسات الأدب والنقد في تلك الحقبة تحديداً؛ لأن الأدب كان فيها خفيف الأثر، غير واضح المعالم، ولم يستقر بعد، كعادة كل أدب عند بدايته؛ لهذا يجب تعميق الدراسات الأدبية الشعرية، والنثرية لأدب الدولة السعودية الأولى في فترة التأسيس، وكذلك أدب الدولة السعودية الثانية، والتركيز على هذا البقعة الخصبة من أدبنا السعودي، ولا سيما أنها مرحلة بناء وتأسيس، وهنا يمكن الإفادة من وثائق المؤرخين والمستشرقين في هذا الميدان.
ولعلي أحيل مع الشكر على الجهد الذي قام به صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود أمير منطقة القصيم في مؤلفه القيّم (رسائل أئمة دعوة التوحيد) الذي جمع فيه جملة من رسائل أئمة الدولة السعودية في مختلف مراحلها، والحق أنه هذا الكتاب ترك أثراً مهماً لدارسي الأدب في العثور على نماذج من المدونات الأدبية الأقدم في مرحلة التأسيس وما بعدها.
http://www.alriyadh.com/1937155]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]