لو قررنا أن ندرس الأسلوب الإداري المتبع في عدة جهات في القطاعين العام والخاص، فسوف نجد اختلافاً جذرياً في الأساليب، بين وزارة، وهيئة، وشركة مساهمة (عامة)، وشركة محدودة (خاصة).
بالطبع، لا أتحدث عن الثقافة الإدارية للمؤسسة، وإنما عن الأسلوب الإداري، أحد مكونات تلك الثقافة، وهو الذي تتحدد به طريقة اتخاذ المديرين للقرارات، وإدارتهم وتنظيمهم للعمل، وكذلك طريقة تعاملهم وتواصلهم مع الموظفين، بشكل مباشر أو عبر الاجتماعات والمراسلات.
في بعض هذه الجهات، سنلاحظ أن المدير انفرد بعملية اتخاذ القرار، واكتفى بأن يطلب من فريقه التنفيذ والمتابعة، بينما في جهات أخرى، سنرى المدير يحرص على أن يجتمع مع موظفيه لمناقشتهم والاستماع إليهم، ومن ثم يتخذ القرار الأنسب.
وسنجد في جهات أنه من السهل أن يتواصل الموظفون مع مديريهم المباشرين، بينما في جهات أخرى، ترى المديرين يتبعون سياسة "الباب المغلق"، وإذا تكرموا بفتحه، فلا يفتحونه إلا لمن هم في مستواهم الإداري!
أكثر المتأثرين من اختلاف الأساليب الإدارية هم الموظفون المنتقلون من جهة إلى أخرى، بين القطاعين العام والخاص، أو داخل القطاع نفسه، فالبعض منهم يتعرض إلى "صدمة حضارية" تستلزم منهم وقتاً طويلاً لمحاولة فهم الأسلوب الجديد، وربطه بالأساليب التي تعاملوا معها سابقاً، وإذا لم يستطع الموظف أن يتوافق مع "المنظومة"، فإنه لا محاله سيغادر المكان قبل إتمام عامه الأول!
إذا اختلفت الأساليب الإدارية عندنا فهي تعكس الاختلاف في الثقافات الإدارية للمؤسسات، أما إذا تقاربت الأساليب، فتكون بذلك معبرة عن ثقافة إدارية سعودية (عامة)، وهذا ما أرمي إليه، ثقافة تماثل الثقافات الإدارية الأميركية أو الألمانية أو اليابانية.
لقد استطاع عالم النفس الاجتماعي الهولندي "غيرارد هوفستيد" أن يضع نظرية الأبعاد الثقافية لتوضيح أثر ثقافة وقيم المجتمع على سلوك أفراده في العمل، بعد أن أجرى دراسة قبل أكثر من خمسة عقود عن موظفي شركة (IBM) التي كان يعمل بها، ولها فروع حول العالم، وبعد انتهائه من الدراسة وضع نظريته بناء على أربعة أبعاد في البداية ثم أضاف لها بعدين لاحقا.
هذه الأبعاد، هي: (1) تفاوت السلطة أي طبيعة العلاقة بين الرئيس والمرؤوسين، (2) الفردية مقابل الجماعية، (3) الذكورية مقابل الأنثوية (التنافس أم التعاون)، (4) تجنب الغموض، (5) التركيز على المدى القصير مقابل البعيد، (6) التساهل مقابل ضبط النفس.
وكل ثقافة عالمية - بما فيها الثقافة السعودية - جرى تقييمها وفق تلك الأبعاد الستة بمستويات تتراوح من المستوى المنخفض إلى المرتفع.
لذلك، نقترح إطلاق مشروع تقوده مؤسسات أكاديمية على رأسها "كلية الأمير محمد بن سلمان للإدارة وريادة الأعمال" و"معهد الإدارة العامة"، بهدف دراسة الفوارق في أساليبنا الإدارية المتبعة في الجهات الحكومية والخاصة، والتوصية بأسلوب إداري سعودي موحد، ينسج من قيمنا ومبادئنا، ليساعد المديرين وفرقهم على تحقيق الأهداف بـ"لغة" واحدة!
بندر الضبعان
http://www.alriyadh.com/1937472]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]