أودع الله فطرة كلاً من النوعين مواهب منها ما لا يوجد في النوع الثاني أصلاً كخصائص الأمومة مما لا صلة للرجل به، وكبعض المكاسب التي لا تُجتنى إلا بركوب الأهوال والتجوّل في الأقطار مما لا تقتحمه النساء، ومنها ما يوجد في كل منهما..
لله حكمة بالغة في تنويع البشر إلى ذكرٍ وأنثى، ولو شاء لأفرد ذاك أو هذه، أو جعل الأنواع كثيرة، وذاك التنوع الذي اقتضته حكمته واكب تاريخ البشرية، فهذا أبو البشر آدم عليه السلام لما خلقه الله تعالى بيده، وأسجد له ملائكته، وأسكنه دار كرامته تـمَّمَ عليه نعمته بأن رزقه زوجاً يسكن إليها (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)، فكان من نعم الله تعالى على آدم عليه السلام أن جعل له من يسكن إليه، ثم خاطب الاثنين مبيحاً لهما سُكنى الجنة والأكل منها حيث شاءا، ناهياً إياهما عن قربان الشجرة، (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين)، ولما حصل ما حصل من أكلهما منها خاطبهما معاً (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا)، فالاشتراك في الحال والمصير بين النوعين لم يزل قائماً منذ عهد أبوي البشرية آدم وحواء، ولكل خصائصه وواجباته ووظائفه بحيث لا غنية له عن الآخر، فليس الذكر كالأنثى ولا الأنثى كالرجل، ولي مع الموضوع وقفات:
الأولى: أودع الله فطرة كلاً من النوعين مواهب منها ما لا يوجد في النوع الثاني أصلاً كخصائص الأمومة مما لا صلة للرجل به، وكبعض المكاسب التي لا تُجتنى إلا بركوب الأهوال والتجوّل في الأقطار مما لا تقتحمه النساء، ومنها ما يوجد في كل منهما، لكنه مُتفاوتٌ في الموضعين، يُعدُّ فيه نوع أمهر وأحذق من النوع الآخر، كحذق النساء في مجال الخياطة والحضانة والتلطف بالناشئة مع أن كثيراً من ذلك قد لا يُعوزُ الرجل تعاطيه بصورة ما، وكصلاحية الرجل لمتطلبات القوامة من كدٍّ وصيانةٍ مهما كلف ذلك من مشقةٍ وابتذالٍ واغترابٍ مع أن المرأة يُمكنها تعاطي شيء من ذلك، ولكن رُوعي في القسمين إناطة المهمة بمن هو أقوم بها قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)، وعن عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي، وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» أخرجه أبو داود.
الثانية: يقترن النوعان بعقدٍ مُهم، وهو رابطة الزواج، ولهذا العقد أهميته في الإسلام فقد فخَّمه القرآن الكريم تفخيماً واضحاً بقوله تعالى: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)، وبموجب هذا الميثاق الغليظ تتقرر لكل منهما حقوق وعليه حقوق أخرى، وحسن العشرة وكفّ الضرر ورعاية المصالح حقوقٌ مشتركةٌ بينهما، وهي لبُّ التعايش، ولا غنى عنها، وعلى كُلٍّ منهما حقوق خاصة عليه أن يحترمها ابتغاء وجه الله ووفاء بالميثاق الذي أبرمه، فمن حقوق الزوجة الخاصة النفقة ونظائرها، ولو كانت غنية لم تسقط نفقتها، وعليها طاعته وأن لا تجرّ إليه ما يكره؛ ولأهمية حقوق الطرفين كانت مما تناوله النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يوم عرفة، وكان في أكثر التجمعات حشداً في زمنه، وقد أراد أن يُقرِّر أهم القضايا التي تهم الأمة، ولم يُغفل هذا الموضوع العظيم، فقال: "فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوف" أخرجه مسلم.
الثالثة: مما يذكر من محاسن دولتنا المباركة المملكة العربية السعودية وسطيتها واعتدالها في الأمور، وقد قطفت المرأة السعودية ثمرات ذلك الاعتدال، فاجتمعت لها الحسنيان في كُلِّ موضوعٍ ضاعت فيه المرأة بين طرفي القصد –الإفراط والتفريط-، فهي المحميةُ المصونةُ التي يكفل لها النظام نيل حقها كاملاً، فبإمكانها أن يُنصفها القضاء متى تعرّضت للحيف من أيِّ طرفٍ حصل، ولا أحد يُمكنه أن يفلت بحقها الذي طالبت به، ومن ناحية أخرى هي الـمُشاركِةُ في خدمة الوطن والنهوض به والمبدعة في نواحي الحياة، والوطن فخورٌ بها وبإنجازاتها، وهي مما يُعوَّلُ عليه في تحقيق رؤية 2030 لسيدي ولي العهد -حفظه الله-، ولا تُخطئ العين بصماتها في تلك الموضوعات، ولا غبار على أن مكانتها تلك من شأنها أن تُثير الغبطة في نفسِ من لم يجدها إن كانت نفسه كريمة، وأن تُثير الحسد في الأنفسِ الشريرة، فنصيحتي لأخواتي وبناتي من نسائنا أن يواصلن الإسهام في شقِّ الطريق بالوطن نحو القمة مُستعصيات على التأثر بكُلِّ مُتطرِّفٍ مُفرطٍ أو مُفرّطٍ، وذلك بوسطية الإسلام، وتعاليمه الغراء، فَدِينُنا ووسطيتنا هما شعارنا.




http://www.alriyadh.com/1939434]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]